حراسة الفضيلة : أرواح حائرة

بسم الله الرحمان الرحيم: "فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون" سورة البقرة الآية (38).
قال
أحد أدباء الأخلاق.. إن الانسان في حياته تائه إن لم يقده دليل.. والدليل
تائه ما لم يعتصم برشد الدين القويم.. والإسلام إن فهمه المؤمن فهما
ربانيا.. صار نبراسا يضيء له الدروب مهما ادلهمت الخطوب بنور الهداية
السماوية.. وحتى لو عصفت به الرزايا والكروب.. فإن قلبه ساكن في كهف
الرجاء من الذي لا ينسى من ذكره.. قائلا: ..بثوب رضاكَ جللني، وخُذ بيدي
إلى العطفِ... إلاهي جئتُ محتاجا، فهبني نظرةً تكفي.

عمري يمرُ في عجلٍ، ويسرعُ بي إلى حتفي... فوا لهفي على عُمرٍِ، مضى كالحلم وا لهفي.
أمرتَ الناس بالحُسنى، وبالإحسان والعطف... لقد أحضرتُ آثامي، فرُد السُوءَ باللطف.
ألستَ تقولُ في الذكرى، خلقتُ الناس من ضعفٍِ... فسامح من عصاك وقد، أتاك مُنكسَ الطرفِ.
غدا إن قامتِ الدنيا، قيام العدل والنَصفِ... فحِلمَكَ سيدي هَبني، وآمِنِي من الخوف.

قال طبيب القلوب ابن القيم الجوزية (رحمه الله).. "إن الطمأنينة إلى
جنب الله سبحانه وتعالى.. حقيقة ترد من المولى عز وجل على فؤاد عبده
المؤمن.. تجمعه عليه، وترد قلبه الشارد إليه، فتسري تلك السكينة في نفسه
وتجذب روحه إلى الفضائل وتلين قلبه في خدمة البارئ والتقرب من رحمته
والتلذذ بمناجاته والتنعم بوصاله..(من كتاب الفوائد).
وقال فضيلة
الدكتور محمد الغزالي في كتابه "الجانب العاطفي من الاسلام" معلقا على
كلام عالم الاجتماع -إيريك فروم- حول الديانات السماوية ما مفاده: أن هذه
الاديان ارتقت بحياة الانسانية ولو نسبيا في بحثها عن الحياة الكريمة
والغاية النبيلة والغرض الشريف..
بل حتى الشرائع الوضعية كالبوذية
والكنفشيوسية.. كانت في أصلها بحثا صادقا من الانسان ليجد ملاذا لروحه
وملجأ لهمومه وتفسيرا لحيرته اللامتناهية.. تجاه الحياة والكون والوجود
والمصير..
هذا قبل أن تتدخل اعتبارات منفعية ومفاهيم عدائية وعنصرية في
تطبيق الأديان وتنفيذ أحكامها.. ليستبد الإنسان بأخيه الإنسان.. مبررا
انتهازيته باسم العدل.. من أجل التحكم في الناس وضمان خضوعهم والسيطرة على
عقولهم وقلوبهم والتأثير على حياتهم.. لغايات كثبرا ما تكون بعيدة كل
البعد عن طهارة الروح وجمال الفضيلة.

إن الانسان المؤمن إيمانا يقينيا.. بمنظومة دينية متكاملة هو إنسان واع
بحقيقة الوجود.. وسر تعلق المؤمنين بالله وبحثهم عن معين الطمأنينة في
اضطراب الحياة.. وعن صفاء النفس في ظلمة الزمن.. وعن نقاء الروح في عتمة
الأيام.

والدين القويم هو في الحقيقة توازن وتكامل بين الجسم والروح والعقل..
ويكون فيه الفكر قائدا والعاطفة محركا.. تماما مثل زورق شكله الجسم ومقوده
العقل وشراعه القلب...
والزورق الذي فقد مقوده أو اختل توازنه في لجة
الحياة لا ينفعه الشراع القوي برياحه.. بل ربما يزيد من اندفاعه المتسارع
نحو الأمواج الهائجة.. كذلك الإنسان الذي ضعف رشد عقله وقادته أهواء
قلبه.. فإنها ستجرفه نحو بحار المهلكات من مفاسد الأخلاق ورعونات النفس
ولؤم الطباع وخبث السرائر.
أما إذا سيطر العقل فقط في حياة الإنسان
وكان وحده المسير والرقيب والحازم في قراراته والصارم في إعتباراته..
ملغيا مشاعر القلوب ورقة الأنفس وعاطفة الأرواح.. فإن ذلك الإنسان المفرط
في عقلانيته.. المنكر لأحاسيس وجدانه.. شبيه بالزورق الذي تمزق شراعه وعرف
المقود وجهته جيدا.. لكن من يحرك الزورق المرتجف في وسط اليم وحيدا
مجردا.. ويعود به إلى مرسى السكينة.. الذي تنام فيه السفن بوداعة..
ذاك
العقل رغم عبقريته إلا أنه من دون نفحات الروح يبقى جافا.. حتى قد قال أحد
الفضلاء "ذبل الشعور فصار فكرا".. ذاك العقل سيحمي الإنسان من الوقوع في
دواهي الشهوات الجامحة.. إلا أنه بتجرده النظري وإغراقه في المنطق وتفسيره
العقلي فقط لكل الكيان الإنساني.. كثيرا ما يُحول هذا الإنسان إلى معادلات
حسابية ومسلمات فلسفية ولا يجد رغم ذلك إجابات عن كل تساؤلات الإنسان.. لا
سيما منها ما يتعلق بخفايا الحياة وأسرار الروح.. التي لا يدركها العقل
البشري بحكم قصوره عن فهم كل ألغاز الوجود..
ويصبح الإنسان بعقله فقط مجردا حتى من روحه التي هي أهم سمة في كيانه..
والإنسان المتكامل هو الذي يسعى لتحقيق الحب والخير والسلام في جنائن قلبه، قبل أن يرسل نسمات عبيره في أفئدة المحبين لرسالة النور..
وتلك
الحياة.. تجعل ذلك الإنسان يتذوق طعم السعادة الإيمانية ويرتشف عذب
السكينة القلبية.. ويطمئن إلى أن هناك في جنبات الروح أنوارا لا تبصرها
الحواس المادية ولا تستنبطها الجدليات العقلية.. و لكن تستعذب رحيقها
الارواح الملائكية.