علي أسامة (لشهب أسامة) المدير العام
الجنـسية : البلد : الجزائر الجنـــس : المتصفح : الهواية : عدد المساهمات : 26932 التقييم : 0 تاريخ التسجيل : 24/10/2008 العمر : 31 الموقع : https://readwithus.yoo7.com/ المزاج : nice توقيع المنتدى + دعاء :
| موضوع: عن أي إبداع يتحدثون؟! السبت 11 فبراير - 22:32 | |
| تبسمت في سري وأنا أقرأ مقالة أحد الإخوة الكتاب في جريدة الوطن عندما استمع لنصيحة صديق مخلص بأن يصعد إلى السطح ويتأمل فيما حوله ليجد شيئا يكتب عنه؛ وخطر لي أني ربما أصل إلى نفس النتيجة إذا عدت إلى رياضتي الصباحية في المشي خاصة أني أسكن في بيت بلا سطح يُصعد إليه, وهذا لغز أترك حله لمقال تالٍ إذا أراد الله ووجدت شيئا يستحق الكتابة, بدون إحراج للرقابة!
تذكرت- وأنا أمشي – المقالات التي تتالت عن إدوارد سعيد المثقف العالمي المبدع, ومنها ذلك المقال الذي تساءل كاتبه عن إبداع إدوارد سعيد, وفيما إذا كان يمكن له أن يوجد أو يستمر لو بقي ادوارد سعيد سجينا في وطنه العربي؛ ويسلسل الكاتب أفكاره ليصل بنا إلى نتيجة مفادها عدم صلة ما كتب سعيد بما يسمى الثقافة العربية رغم كل الجهد الذي بذله في دفاعه عن الإسلام والعروبة لأن العالم العربي يحصر الإبداع ضمن قواقع التقليد والجمود الفكري.
وبما أن الإسلام أصبح مرادفا للعروبة لدى الكثيرين, فالسؤال الذي يراود الذهن: هل حقا إن الإسلام يحجر على الفكر ويمنع الإبداع؟ لماذا إذن كل هذه الآيات القرآنية التي تدعو إلى السير في الأرض والتفكر في مخلوقات الله؟ ولماذا كل تلك الآيات التي توضح أن الكون والطبيعة مسخران للإنسان؟ أليس كي يضرب المرء معاول عقله في كل مكان ويرصد كل طاقاته الإبداعية الخلاقة لخدمة البشرية وإعلاء قيمة الإنسان؟
هناك فرق ولا شك بين الإبداع والإفساد, فإذا كان الإبداع كما يعرّفه الدكتور علي الحمادي هو "مزيج من الخيال العلمي المرن لتطوير فكرة قديمة أو لإيجاد فكرة جديدة, مهما كانت الفكرة صغيرة, ينتج عنه إنتاج متميز وغير مألوف, يمكن استعماله والاستفادة منه" فإن الإبداع هو الإنتاج المفيد, أما ما يؤدي إلى الفساد والدمار والضرر فلا يدخل ضمن مسمى الإبداع بأي شكل من الأشكال.
وهنا فرق أساسي بين الفكرة الغربية والفكرة الإسلامية عن الإبداع, ففي المنظومة الفكرية الإسلامية نجد أن العقل هبة مقدسة من الله, والمعرفة رفعت آدم مكانا علياً أوجبت سجود الملائكة له؛ وقد فهم أجدادنا المسلمون في ما مضى سبب تكريم آدم فتباروا في ميادين العلم والمعرفة وطرقوا كل سبلها المأهولة وغير المأهولة, وسبقوا العالم الغربي بوضع المنهج العلمي التجريبي؛ كما أدركوا أن الإنسان مميز عن سائر المخلوقات, فالطبيعة كلها مسخرة له ومكوناتها ليست مستغلقة على الفهم بل تخضع لمجهر التأمل والبحث؛ لكنهم وضعوا كل ذلك في إطار العبودية المشتركة بينهم وبين العوالم كلها لله رب العالمين, فرغم كل التقدم العلمي الذي أحرزوا قصب السبق فيه إلا أنهم لم يتجاوزوا حدود العقل البشري الذي مهما أوتي من العلم فإنه ليس إلا جزءا محدودا جدا من علم الله عز وجل.
أما الثقافة الغربية فأهم ما يميزها هو المادية واللاغيبية والإلحاد, فالطبيعة والخالق سيان, والدين عائق للفكر والإنتاج ومقيد لحرية الإنسان واستقلاله الذاتي؛ إضافة إلى الطبيعة الثورية لهذه الثقافة مما يمنح العقل سلطات مفوضة للحكم على الأمور حتى لو لم تكن من اختصاصه, ويدفع الإنسان لاستكشاف الكون اللامتناهي حتى لو حوّله البشر إلى مسرح للخلق والإبداع بدون شرط أو قيد.
ولا يحق لنا إنكار ما تزخر به الحضارة الغربية من التطور العلمي والتقدم التكنولوجي والتنوع الثقافي, فهي ثمرة حقيقية لإطلاق فكر الإنسان ويده في الطبيعة والكون, لكن تأله الإنسان على الطبيعة ونسيانه أنه مخلوق مثلها أدى إلى نتائج خطيرة, لعل آخرها الاستنساخ الذي قد يكون له تطبيقاته العملية والمفيدة في علم النبات والأجنة وزراعة الأعضاء, ولكن تجارب الاستنساخ إذا نجحت على البشر فإنها ستؤدي إلى وضعٍ يسمى بعالم ما بعد الإنسانية, وكلمة (ما بعد) تعني (نهاية), ولذلك يجب أن نؤكد أن الفاصل بين الإبداع واللاإبداع هو مردوده ونتاجه, فلا يمكن أن نعتبر الإفساد في الأرض إبداعا مثلا حتى لو كان خلقا وابتكارا.
لا بد لنا من التوقف والسؤال هنا: أين نحن من كل هذا؟ أين الإبداع في حياتنا؟ ها هي المقالات تكتب والبحوث تنشر والمحاضرات تلقى والندوات تقام والمراكز تبنى والمواقع الإنترنتية تنشأ, وكلها معنية بالإبداع؛ لكن لماذا نسمع جعجعة ولا نرى طحنا؟!
الجواب على هذا السؤال الصعب ينضوي تحت لوائه إجابات في كل منحى واتجاه, لكنها كلها تصب في خانة واحدة هي أن الإبداع نتيجة منطقية لمعادلة يتفاعل فيها مكوَّن الخصوصية ومكوَّن الحرية؛ فعلى الصعيد التربوي وبدءا من الأسرة نرى كثيرا من الأخطاء كرصّ الأولاد كلهم في قالب شخصية الأبوين, فإلغاء التفرد هو أول معول هدام في بناء الإبداع, لأن الإبداع لا بد له من أساسين مهمين هما الكائن الفرد والكائن المتفرد, فالأولى معناها أن يشعر المرء بانتسابه كفرد إلى جماعة والثانية أن تعترف هذه الجماعة بتميزه الشخصي عن الآخرين؛ وإذا انتقلنا إلى المدرسة نجد أن أغلب المناهج في البلاد العربية تعتمد على التلقين بدل أن تنتهج أسلوب التكوين, فالوسيلة التي تحدد مقدرة الطالب العقلية هي الحفظ, وما إن ينتهي التلميذ من الامتحان حتى يرمي بكل ما تعلمه في سلة المهملات, فلا قيمة حقيقية للعلم, وإنما القيمة للشهادة التي ستؤهله لأن يكون منتجا من الناحية المادية فقط, وليس العلمية أو الثقافية؛ عدا أن الموهوبين بين التلاميذ غالباً ما يتم تدجينهم منذ البداية فيموتَ إبداعهم قبل أن يولد. وعلى الصعيد الاجتماعي لا يوجد أي دافع للتعلم والابتكار والاختراع, فكثيرا ما سمعنا عن أناس كانوا مبدعين في بلاد الغرب ولكنهم عندما عادوا إلى بلاد العرب اضطروا إلى التحول لأساتذة خصوصيين في لغة البلد الذي درسوا فيه كي يكسبوا لقمة عيشهم؛ وفي حين نجد أن دول العالم الغربي تفتح أبواب معاهدها وجامعاتها لتساعد من يريد الدراسة في أي فرع كان, وتسهل هذا الأمر بجدول للدوام يتوافق مع حاجة الشاب الصغير والكهل الكبير, نجد أن أغلب جامعات بلادنا تضيق عن الشباب فكيف تتسع قاعاتها للكهول؟! وحدث ولا حرج عن ما يسمى بكليات القمة التي كثيرا ما يسجل بها الذين حصلوا على معدلات عالية بغض النظر عن رغباتهم وطموحاتهم الحقيقية؛ ناهيك عن ضرورة إعادة الثانوية أحيانا إذا مضى وقت بينها وبين الانتساب للجامعة, ليتأكد المسؤولون أنك لم تنس المعلومات التي حزتها في الثانوية, متجاهلين أن ما بين الدراسة في الجامعة وفي المدرسة كما بين السماء والأرض. وأما على الصعيد النفسي فلا يوجد أكثر من المعوقات والمحبطات وخاصة أننا نتباهى بثقافة اللاأخطاء, وهي ثقافة كاذبة وموهومة, فكلنا يخطئ ولا أحد يتعلم إلا من تجاربه لكننا أمام الآخرين نستحي من تجاربنا لأن التجربة الخاطئة تقيم سدا حاجزا بين المرء ومجتمعه مما يجعل المرء, أخطأ أم لم يخطئ, جرب أم لم يجرب, متقوقعا على ذاته, غير متفاعل مع المجتمع, ولا مساهم في تنشيطه ولا في التعرف على حاجاته, ومن الجدير بالذكر هنا أن أديسون جرب 1800 مرة قبل أن يصل إلى اختراع المصباح الكهربائي, ونحن نفتقد المبدعين لأننا نريد بشرا لا يخطئون, وهي إرادة فتاكة سواء في الأسرة أو في المجتمع, ولذلك يلجأ أكثر هؤلاء البشر إلى التزييف والخداع والسرقة وأهم أنواعها السرقة الفكرية وخاصة نتاج الآخر الغربي وترجمته ونسبته إلى النفس.
وتواجهنا الأزمة الكبرى في الإبداع على الصعيد الثقافي, فالمشكلة أن الإبداع الثقافي لا يجد من يتبناه ويشجعه إلا إذا وسم بأحد ختمين: إما الطابع التغريبي أو الطابع التقليدي, وكلاهما تقليد وتكرار, ولا مجال لأن ينمو الإبداع إلا في تربة خصوصية الذات, فكي تكون مبدعا يجب أن تكون أنت ذاتك بغض النظر عما يقول الآخرون أو يريدونه, لكن إذا كانت الثقافة العربية تترنح بين هذين التيارين: التغريب والتقليد, فماذا يفعل المبدع الحقيقي الذي يريد أن يعبر عن ذاته وما يختلج في أعماقه بصدق؟!
إن الحالات الثقافية الإبداعية الحقيقية هي تلك التي لا تعرف التلون, ولا ترغب بانتهاز الفرص, ولا تمالئ الأقوياء, بل تحكي عن معاناة الضعفاء؛ وإذا كان المجتمع يستفيد من الإبداع, وفي نفس الوقت يحقق للمبدع الخصوصية وإثبات الذات, فهل يستطيع أن يبدع ذلك الذي يكمّم فمَه الخوفُ أو يقيد يدَه ذلُّ الحاجة؟!
الإبداع لا ينمو إلا في تربة الخصوصية وفي جو من الحرية.. فعن أي إبداع يتحدثون؟ | |
|