تأتي نفحات ذكري المولد العطرة في وقت...نجد أمتنا أشد ما تكون إلى بناء حضاري جديد, بناء يستمد مقوماته من المصدرين الأساسيين(القرآن الكريم ,والسنة المطهرة), بناء...بكل ماتحمل الكلمة من معانٍ.
وإذا كان كثير من العلماء حصرو أهم مقومات الحضارة في أربع مقومات:( البناء العلمي, البناء العقدي,البناء القيمي, البناء العمراني ).فإن المولد النبوي المبارك كان إيذاناً بانطلاق هذه المقومات الأربع.
*البناء العلمي : لقد
جاء الرسول إلى الدنيا في وقت غلب الجهل فيه على كل شيء ..على الفكر
...على العقل ....على السلوك...على كل شيئ ,ولم تكن البشرية تعرف مصدراً
موثوقاً منه تستقي منه المعارف والحقائق سوى بعض الدجالين من الكهنة
والعرافين والمنجمين...اللهم إلا القليل من الصادقين من بقايا أهل
الكتاب ومن وصفوا بالحنيفية. فكان أول انطلاقة لمقومات الحضارة والتي
تمثلت في أهمية : القراءة ...والكتابة....والقلم ,وكان أول ما نزل:[ اقْرَأْ
بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ [1] خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ [2]
اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ [3] الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ [4]
عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ [5] ] } العلق 1-5 {
لقد جاء ليؤكد على أهمية البحث والتنقيب والنظر والتأمل في الكون كله من سمائه إلى أرضه : [قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ ] [يونس : 101]
ولم يعتبر إلا اليقين ؛حيث إن الظنون لم ولن تصل بأي أمة إلي علم يقنيي.[ وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً ] [النجم : 28]
لقد برز أعلام كبار-لهم أكبر الأثر في نهضة البشرية ,وقيام حضارتها-هم من أعلام هذه الأمة أمثال:ابن
البيطار(العشّاب الصيدلاني),والحسن بن الهيثم(الفيزيائي
المهندس),والبيروني(العالم الموسوعي),والإدريسي(الجغرافي
الفذ),والخوارزمي(الرياضي الفلكي),وابن سينا(الطبيب الفيلسوف).واقرؤا إن شئتم عن دور الحضارة الإسلامية في الحضارة الأوربية.
فلولا المولد النبوى الشريف ما كان هؤلاء.
نعم ...لقد كان المولد الشريف إيذانا بانطلاق الحضارة الإسلامية.
*البناء القيمي: لقد
كان مولده إيذاناً بانطلاق منظومة القيم المتكاملة؛ذلك لأن العرب ما كانوا
مجردين من كل فضيلة قيمية ,إنما الفضائل والقيم
والأخلاق-كالكرم,والشجاعة,وصدق العهد....- كانت موجودة ,بيد أنها اعتراها
بعض الشوائب التي حادت بها عن جادة الطريق.
فكانت البعثة النبوية العظيمة ضبطاً لاتجاه بوصلة الأخلاق,وتنقية للشوائب التي علقت بها,وتتميما لكل فضيلة (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم : 4], «إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ» .
ويكفي
أن البناء القيمي في الإسلام مهم في بناء أي حضارة ؛لأنه يقوم على أسس
وضوابط إذا خلت منه حضارة لم ينفع قانون ولا علم ولا...ولا...
منها الرقابة الداخلية لله,ومنها لاضرر ولاضرار, ومنها وتقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة, ومنها......
مثل هذه الضوابط كفيلة ببناء حضارة قوية ومستقيمة وفاعلة في نفس الوقت.
*البناء العمراني:
لقد كان مولد الرسول الأعظم إيذاناً بانطلاق البناء العمراني,ذلك لأن أصل
البعثة جاءت من أجل إقامة حياة كريمة وسعيدة وهانئة .لقد جاء الرسول وقرأ
على الناس [ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ
لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ
أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ
نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ
تَعْلَمُونَ ] [البقرة : 30] فبين دور البشرية.
ثم وضح المطلوب من هذه البشرية - عمارة الأرض- فقال: [ وَإِلَى
ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم
مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ
فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ
مُّجِيبٌ ] [هود : 61] وبين أهم الأسس التي بها تكون عمارة الأرض:
والتي منها الأمن؛حيث قال: [ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ] [الأنعام : 32]
والعامل الاقتصادي؛حيث قال:[ الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ ] [قريش : 4]
وجمع صاحب المولد هذا كله حيث قال:«مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، آمِنًا فِي سِرْبِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا»
وهذه صورة مصغرة جداً للبناء العمراني عند صاحب المولد .
*البناء العقدي : وهو أهم مقوم في البناء الحضاري.
لقد جاء الرسول بالعقيدة الصحيحة,العقيدة السليمة, العقيدة الصافية.التي تحسن التصور عن الله ,وعن الكون,وعن الإنسان .
فترتب على هذا إن أحسن المسلم التعامل مع الإنسان ,واستغل تسخير الكون له.
لقد
كان الإيمان بالمساواة بين البشر وتحقيق العدل والتكافل الاجتماعي، لأن
ربهم واحد ,خلقهم من أصل واحد، أوجب عليهم ما يحقق العدل والخير للجميع
لقد
جاء الرسول بعقيدة الإيمان بالله وملائكته,وكتبه ,ورسله واليوم الأخر
والقدر خيره وشره.وربط هذه العقيدة بالحركة في الحياة ,والانتشار في
الأرض.وكانت هذه العقيدة مبعث كل خير عرفته البشرية .فكان ما كان من أمر
هذه الأمة.وكان لهذه العقيدة الدور العظيم في بناء الحضارة .أسأل الله أن
يجعل ذكرى المولد النبوي فاتحة خير للإسلام والمسلمين...آمين
من علماء القراءات بالأزهر الشريف .