إنَّ الحمد لله نحمدهُ ونستعينهُ ونستغفرهُ ونستهديهِ ونعوذُ باللهِ من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا
من يهدهِ اللهُ فلا مضلَّ له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له
وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصيهما
فإنَّه لا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً ...
أقدم لكم هذا الموضوع
وهو تحت عنوان
|| هل احتفلوا ؟ ||
< tr>
سؤال
يطرح نفسه كلما أقبل على المسلمين شهر ربيع الأول ، وهو : هل احتفل رسول
الله صلى الله عليه وسلم بالمولد وهل احتفل صحابته رضوان الله عليهم ، وهل
احتفل سلف هذه الأمة الصالح رحمهم الله تعالى ؟ كما يفعله كثير من النَّاس
في هذه الأزمنة ، أم أنَّهم تركوا الاحتفال ؟ نترك للعلماء الجواب عن ذلك
:
قال العلامة عمر بن علي السكندري المالكي ، المشهور بالفاكهاني -
رحمه الله تعالى - : " لا أعلم لهذا المولد أصلاً في كتاب ولا سنة ، ولا
يُنقل عملُه عن أحد من علماء الأمَّة ، الذين هم القدوة في الدين … بل هو
بدعة أحدثها البطَّالون " . وأقرَّه الشيخ العدوي المالكي - في حاشيته على
مختصر سيدي خليل -والشيخ محمَّد عليش المالكي - رحمهما الله - في (فتح
العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك) .
وقال العلامة
ابن الحاجّ المالكي -رحمه الله تعالى ،في (المدخل) عن المولد إذا خلا من
جميع المنكرات - : " فإن خلا من كلِّ ما تقدم ، فهو بدعة بنفس نيته فقط ،
إذ إنَّ ذلك زيادة في الدين ، وليس من عمل السلف الماضين … ولم يُنقل عن
أحد منهم أنَّه نوى المولد ، ونحن لهم تبع ، فيسعنا ما وسعهم . "
وقال الحافظ ابن حجر الشافعي - رحمه الله تعالى - : " أصل عمل المولد بدعة ، لم تُنقل عن أحد من السلف الصالح من القرون الثلاثة . "
وقال
الحافظ السخاوي الشافعي - رحمه الله تعالى - : " عمل المولد الشريف لم
يُنقل عن أحد من السلف الصالح في القرون الثلاثة الفاضلة ، وإنَّما حدث
بَعْدُ . "
وقال الشيخ نصير الدين المبارك ، الشهير بابن الطبَّاخ - رحمه الله تعالى - : " ليس هذا من السنن . "
وقال
الشيخ ظهير الدين جعفر التزمنتي - رحمه الله تعالى - : " هذا الفعل لم يقع
في الصدر الأول من السلف الصالح ، مع تعظيمهم وحبِّهم له صلى الله عليه
وسلم ، إعظاماً ومحبَّةً لا يبلغ جمعنا الواحد منهم ، ولا ذرة منه . "
قال
إمام دار الهجرة ، مالك بن أنس - رحمه الله تعالى - : " من أحدث في هذه
الأمَّة شيئاً لم يكن عليه سلفها فقد زعم أنَّ رسول الله صلى الله عليه
وسلم خان الرسالة ، لأنَّ الله يقول ] اليوم أكملت لكم دينكم [ فما لم يكن
يومئذ ديناً فلا يكون اليوم ديناً . "
وإن من أعظم الأمور - بعد
ما ذكرناه - مما يدل على ما ذكر العلماء - رحمهم الله تعالى - أن مولد
رسول الله صلى الله عليه وسلم غير متفق عليه بين العلماء ، إذ الخلاف فيه
كبير ، خلافٌ في سنة ولادته صلى الله عليه وسلم ، وخلاف في شهر ولادته صلى
الله عليه وسلم ، وخلاف في تاريخ ولادته صلى الله عليه وسلم ، وخلاف في
يوم ولادته .
متى ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم
وإليكم ما قاله الصحابة رضوان الله عليهم ، والتابعون لهم ، وعلماء الحديث من بعدهم ، وأهل التاريخ والسير .
أولاً :
سنة ولادته صلى الله عليه وسلم : الأكثرون على أنَّ ولادته صلى الله عليه
وسلم كانت عام الفيل ، وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما ؛ قيل : بعد حادثة
الفيل بخمسين يوماً ، وهو قول السهيلي المالكي ؛ وقيل : بخمس وخمسين يوماً
،حكاه الحافظ الدمياطي الشافعي ؛ وقيل : بشهر ؛ وقيل : بأربعين يوماً ،
حكاهما مغلطاي الحنفي وابن سيد النَّاس الشافعي ؛ وقال الإمام الزهري :
بعد الفيل بعشر سنين ؛ وقيل : قبل الفيل بخمس عشرة سنة ؛ وقيل : غيره .
ثانياً : شهر
ولادته صلى الله عليه وسلم :قيل :في شهر صفر؛ وقيل : في ربيع الآخر،
حكاهما مغلطاي الحنفي ؛ وقيل : في رجب ؛ وقيل : في رمضان ، حكاه اليعمري
الشافعي ومغلطاي الحنفي ، وهو مروي عن ابن عمر رضي الله عنهما ، وهو موافق
لمن قال : إنَّ أمَّه حملت به في أيام التشريق ؛ وأغرب من قال : إنَّه ولد
في أيام التشريق .
ثالثاً :
يوم ولادته صلى الله عليه وسلم : قيل : غير معين ؛ وقيل : في ربيع الأول ،
من غير تعيين اليوم ، نقله الحافظ القسطلاني الشافعي في (المواهب اللدنية)
؛ وقيل : يوم الإثنين ، والجمهور على هذا ؛ وقيل :لليلتين مضتا من ربيع
الأول ،قاله ابن عبد البر المالكي ، ورواه الواقدي :عن أبي معشر نجيح
المدني ؛ وقيل : لثمان ليال مضين منه ، رُوي ذلك عن ابن عبَّاس وجبير بن
مطعم رضي الله عنهم ، واختاره ابن حزم ، ونقل ابن عبد البر تصحيح أهل
التأريخ له ، وقطع به الحافظ محمّد الخوارزمي ، ورجحه الحافظ ابن دِحـية
الكلبي الظاهري ، وقال : هو الذي لا يصح غيره ، وعليه أجمع أهل التأريخ ؛
وقال القطب القسطلاني : هو اختيار أكثر أهل الحديث ، وهو اختيار أكثر من
له معرفة بهذا الشأن ؛ وحكى القضاعي إجماع أهل الزِيْج ( الميقات ) عليه ؛
وقيل : لتسع خلون منه ، وهذا ما ذهب إليه الباشا الفلكي المصري ، وله
رسالة علمية في هذا ، درس فيها الموضوع دراسة فلكية ؛ ورجحه الشيخ علي
الطنطاوي ، وأثنى على رسالته ؛ وقيل : لعشر مضين منه ، وهو قول الشعبي ،
ومحمد الباقر ، وصححه الحافظ الدمياطي الشافعي ؛ وقيل : لاثنتي عشرة مضت
منه ، وهو قول ابن إسحاق ؛ وقيل :لسبع عشرة مضت منه ،نقله ابن دِحية عن
بعض الشيعة ؛ وقيل : لثمان عشرة مضين منه ؛ وقيل : لثمان بقين منه ، رواه
أبو رافع عن أبيه محمد بن حزم الظاهري .
رابعاً :
وقت ولادته صلى الله عليه وسلم : قيل : ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم
نهاراً ؛ وقيل : عند طلوع الفجر ؛ وقيل : عند طلوع أنجم الغفر ؛ وقيل :
ولد ليلاً ، رواه الحاكم عن أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها . إنَّ
الصحابة رضوان الله عليهم لو كانوا يرون أنَّ ضبط تاريخ مولده صلى الله
عليه وسلم لو أهمية ما لما أهملوا ذلك ، ولما اختلفت أقوالهم فيه ،
ولوجدناهم يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، مع أنَّهم كانوا
يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل صغيرة وكبيرة من أمر الدين ،
فلما لم يسألوه ، تبين أن ذلك من الأمور التي لم يعيروها أي اهتمام ، ولم
يكونوا يرون أنَّها حقيقة بالسؤال !
أخي الكريم ، علام يدل اهتمام الصحابة رضي الله عنهم بضبط تاريخ مولد سيد المرسلين رسول الله محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم؟
هذا والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على سيدنا محمدوعلى آله وصحبه أجمعين