{وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} أ. د. زيد العيص [center]إنَّ
الحمد لله نحمَده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله مِن شرور أنفسنا ومِن
سيِّئات أعمالنا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحْده لا شريك له، وأنَّ
محمدًا عبده ورسوله.
منارات قرآنية﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾ [الحجر: 99] في
هذه الآيةِ الكريمةِ دعوةٌ صريحةٌ منَ الله - تعالى - إلى عبده المؤمن،
بضرورة المداوَمة على العبادة، حتى يلقى ربه، فاليقينُ في الآية هو الموت،
وقد ضَلَّتْ شِرْذمة منحرِفة عنِ الشرع، حين فسرتِ اليقين بمعرفة الله -
تعالى - فأسقطتِ التكاليف عنها، وعن أتْباعها، إذا وصل أحدهم إلى درجة
المعرفة الحقة بالله؛ لأنَّ العباداتِ عندهم وسائلُ تتحقق من خلالها معرفة
الله، ولا شك أنه لا حَظَّ لهذه الفئة منَ الإسلام، وما هي عليه هو الكفر
بعينه.
إنَّ
المداوَمة على العمل الصالح تمدُّ المؤمن بالهمة على مجاهدة نفسه، وتبعد
عنه الغفلة؛ ولهذا حَثَّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - على المداوَمة على
الأعمال، وإن كانت يسيرة قليلة؛ ففي الحديث الذي يرويه مسلم، عن عائشة -
رضي الله عنها - يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((أحب الأعمال إلى
الله - تعالى - أدومها، وإن قلَّ)).
يقول الإمام النووي في شرحه لهذا الحديث:
إنَّ القليل الدائم خيرٌ منَ الكثير المنقطع، وإنما كان القليل الدائمُ
خيرًا منَ الكثير المنقطع؛ لأنه بدوام القليل تدوم الطاعة، والذكر،
والمراقبة، والنية، والإخلاص، والإقبال على الله - سبحانه - ويستمر القليل
الدائم؛ بحيث يزيد على الكثير المنقطع أضعافًا كثيرة.
ولهذا قال بعض الحكماء: إذا غفلت النفس بترْك العبادة، فلا تأمن أن تعودَ إلى عاداتها السيئة،
وصدق ابن حزم حين قال: إهمال ساعة، يفسد رياضة سنة.
نخلص من هذا إلى أن المسلم الحريص لا ينبغي له أن يغفلَ عن هذا المعنى الجليل،
وهو ضرورة المداوَمة على العبادة،
فمنَ الخُسران المبين أن يقطعَ عبادة داوَمَ عليها فترةً منَ الزَّمَن.