السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله الذي خلّص قلوب عباده المتقين من ظُلْم الشهوات ، وأخلص عقولهم عن ظُلَم الشبهات
أحمده حمد من رأى آيات قدرته الباهرة ، وبراهين عظمته القاهرة ، وأشكره شكر من اعترف بمجده وكماله
واغترف من بحر جوده وأفضاله وأشهد أن لا إله إلا الله فاطر الأرضين والسماوات ، شهادة تقود قائلها إلى الجنات
وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ، وحبيبه وخليله ، والمبعوث إلى كافة البريات ، بالآيات المعجزات
والمنعوت بأشرف الخلال الزاكيات صلى الله عليه وعلى آله الأئمة الهداة ، وأصحابه الفضلاء الثقات
وعلى أتباعهم بإحسان ، وسلم كثيرا
أما بعد :
فإن اصدق الحديث كتاب الله ، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها،
وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار
ــــ أعاذنا الله وإياكم من النار ــــ
[center]اعلم وفقني الله وإياك أن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالى-
بوّب في «كتاب التوحيد»؛ فقال: باب قول الله تعالى
)يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا ( ،
ثم بوّب بعده فقال: باب
) فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (
والمتقرِّر عند الشراح أنه كفر دون كفر، وكفر أصغر، وكفر نعمة، وشرك خفي،
وهو إسناد النعم، ونسبتها إلى غير الله تعالى من أسبابها،
فإن اعتقد أن السبب هو المنعم الموجد الخالق، فهذا كفر أكبر.
ومثَّل في البابين بألفاظ منها:
لولا فلان لم يكن كذا، هذا مالي ورثته عن آبائي، كانت الريح طيبة، والملاح حاذقا،
والحلف بغير الله، وما شاء الله وشئت، ولولا الله و فلان.
قال العلامة المحقق ابن عثيمين رحمه الله تعالى
) ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا ( أي ينكرون إضافتها إلى الله لكونهم يضيفونها إلى السبب
متناسين المسبب الذي هو الله سبحانه،
وليس المعنى أنهم ينكرونه هذه النعمة،
مثل ان يقولوا: «ما جاءنا مطر، أو ولد، أو صحة،
ولكن ينكرونها بإضافتها إلى غير الله،
متانسين الذي خلق السبب، فوجد به المسبب»
انتهى من «القول المفيد» (2/201).
وإضافة النعمة إن كانت إخباراً محضاً، فهذا جائز
كقول القائل: من أين لك هذا البيت؟ فيقول: ورثته عن آبائي؛
وإنَّما المحذور في إضافة النعمة، ونسبتها إلى السبب،
مما قد ينسى المنعم الحقيقي، ويعلِّق القلب بالسبب،
وينافي شكرَ الرَّبِّ،
وهو عبادةٌ جليلةٌ.
واعلم أن هذا التقرير في اضافة ونسبة النعمة إلى السبب وقول القائل :
«لولا فلان ما كان كذا»، أعظم، وأخطر، لما فيه من الحصر،
الذي يكون معه التفات إلى السبب دون المسبب الحقيقي،
والمنعم وهوالله - جلَّ وعَلا – .
قال الإمام سليمان بن عبد الله - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالى- في «تيسير العزيز الحميد» (ص584):
«قوله "لولا فلان" إلى آخره، قال ابن القيم ما معناه:
«هذا يتضمن قطع إضافة النعمة عمن لولاه لم تكن،
وإضافتها إلى من لم يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً فضلاً عن غيره،
وغايته أن يكون جزءاً من أجزاء السبب، أجرى الله نعمته على يده،
والسبب لا يستقل بالإيجاد،
وجعله سببا هو من نعم الله عليه،
فهو(الله) المنعم بتلك النعمة،
وهو المنعم بما جعله من أسبابها،
فالسبب والمسبب من إنعامه،
وهو تعالى كما أنه قد ينعم بذلك السبب، فقد ينعم بدونه، ولا يكون له أثر،
وقد يسلبه سببيته،
وقد يجعل لها معارضا يقاومها،
وقد يرتِّب على السبب ضد مقتضاه،
فهو وحده المنعم على الحقيقة»انتهى