السلام عليكم ورحمة الله تعالى و بركـــاته
جدتي أركانة أسرتي الخالدة
كلنا نحب جداتنا لأنهن نافذتنا على زمن ضارب في القدم، فهن من ينسجن لنا حكايات وحدوتات النوم، وهن من يغذق قلبهن عطفا وحنان بنكهة أصيلة وفريدة. فحتى هذا المنتدى الكريم الذي يجمعنا لم ينساها بل كرمها وجعل لها ركنا شهريا تتحفنا من خلاله الجدة ياسمين بحكيها الدافئ.
قد
تكون بداية حياتي مستهلة بذكرى أليمة جسدتها فاجعة فقدان الأبوين إثر
حادثة سير أليمة ذهبا ضحيتها، عندها دخلت عالم اليتم الذي جعل جدتي ،
والدة الأب تتكفل بي لتعيد سيناريوا أم بخريف العمر.
كنت أقطن معها
بكوخ مطل على ميناء القرية، كل صباح توقظني وتغسل وجهي تم تطعمني ما تيسر
من أكل فتأخدني للمدرسة الحكومية التي يشبه شكلها قلعة شرشبيل آكل
السنافر، وتعود لتوها إلى المرسى لتعمل في تنظيف قوارب الصيد مقابل
دريهمات تعيل نفسها وإياي بها.
صراحة لم أذق
طعم اليتم معها إطلاقا، فعلى قدر آستطاعتها كانت تقتني لي ملابس العيد
وحلوى رأس السنة وحتى خروف العيد، إنها جدتي التي ملأت دنياي وجعلتنى أرسم
وجهها بقصبتي على رمال الشاطئ بأبهى حلة.
مضت السنون
سريعة وبلغت سن الرشد ،إبانها كانت جدتي في ثمانينيات العمر، فأخدتني
بعدما حملت معها بعض الوثائق إلى شركة التأمين التي منحتني شيكا بمبلغ جيد
، دية والداي من الحادثة ، مما خولني شراء قارب صيد صنعت به إسمى بالمرسى
فأصبحت في مصاف *الباطرونات*.
جرت الأمور
أحسن مما كنت أتصور ، فمكان الكوخ شيدت به أفخم منزل بعدما وهبت لي جدتي
الأرضية وسجلتها بإسمي .عندها تزوجت من فتاة لم أكن أحلم يوما أن ألمس
يدها بالأحرى أن تكون زوجتي.
كنا ننظم كل أسبوع حفلا يقتصر مدعويه على ملاكي القوارب الأغنياء ، نعقد الصفقات ونحتفل لغاية الصباح.
وذات صباح جاءتني زوجتي بوجه مكفهر ودموعها تشق خذاها...
قالت: إن جدتك تود إفساد حياتنا ، لقد توعدتنا إن أعدنا إقامة حفلات أن تطرد ضيوفنا وتستصغرنا أمامهم.
فقلت بنبرة الواثق: أميرتي لو حدث ذلك فسيكون أمرا مؤقتا فجدتي تعيش أخر أيامها.
هدأ
روعها وآسترحنا حتى منتصف النهار عندها نزلت لغرفة جدتي فوجدتها مفتوحة
على غير العادة ، لقد ذهبت جدتي لحيث لا أدري لكن وجدت رسالة على سريرها
بها سطر واحد بخط مرتعد مرتعش
*كنت برعما فتمنيت رؤيتك رجلا واليوم صرت أمرا تتمنى لي قبرا.*
مساحة لمداد أقلامكم.