[center]
العدل بين النظرة الإسلامية والنظرة الغربية المعاصرة
ومما
تقدم بيانه يتضح أن نطاق العدالة في الشريعة الإسلامية، ومن ثم في الفقه
الإسلامي ـ يتسع ليشمل كافة المجالات الإنسانية، وبذلك تتفوق النظرة
الإسلامية إلى هذا الأساس الهام، أو هذه القيمة الاجتماعية على غيرها من
النظرات القديمة أو المعاصرة.
فإذا
نحن نظرنا ـ مثلاً ـ إلى الفقه الدستوري الوضعي الحديث والمعاصر ـ فإننا
لا نكاد نجد فيه ذكرًا للعدالة! اللهم إلا في مجال القضاء، حيث يعبر في
اللغة الإنجليزية ـ مثلاً ـ عن القضاء والعدل بكلمة واحدة (justice)
ولكننا إذا تركنا ميدان الأنظمة السياسية والدستورية فلا نجد ذكرًا
للعدالة ولا إشارة إليها، ولا يذكرها رجال الفقه الدستوري ولا الباحثون في
الأنظمة السياسية بين خصائص النظام الديموقراطي أو غيره من الأنظمة، ولا
يعنى الباحثون الغربيون بدراستها إلا بين الموجهات العامة لسياسة الحكم.
على
أن الآيات والأحاديث التي قدمناها عن إيجاب العدل وتحريم الظلم يجب أن
يشار معها إلى بعض الحالات التي نص في خصوصها على إيجاب العدل بيانًا لمدى
عناية تشريع الإسلام بهذا الأصل من أصول الحياة الاجتماعية وحرصه على
توكيده في الحالات المختلفة.
ونكتفي هنا بمثالين من هذه الحالات:
أحدهما: هو العدل في شئون الأسرة.
والثاني: هو العدل في كتابة الوثائق التي تحفظ الحقوق بين الناس وفي الشهادة عليها.
أما في الشئون الأسرية: فقد جعل القرآن الكريم من العدل شرطًا في الالتزام على تعدد الزوجات فقال تعالى: { فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً } [النساء: 3]، وقد جعل اللَّه مجرد الخوف من الجور مانعًا من إباحة أمر مشروع في الأصل وهو تعدد الزوجات.
وقد
استخرج الفقهاء من هذه الآية ومثيلات لها في مواضع أخرى قاعدة فحواها: أن
المباحات جميعًا مشروطة بألا يكون فى إتيانها حظر أو إيذاء للغير، وأنه
متى خيف ذلك أصبح من باب أولى المباح ممنوعًا منعًا لهذا الضرر أو الإيذاء.
وأما
في شأن الوثائق التي تثبت بها الديون وتحفظ بها الحقوق بين الناس ـ فقد
أنزلت فيها أطول آية في القرآن الكريم وهي قوله تعالى في سورة البقرة: {
يا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا تَدَاينتُم بِدَينٍ إلَى أَجَلٍ
مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيكْتُب بَّينَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ } ، إلى قوله تعالى: { ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلاَّ تَرْتَابُوا} [البقرة: 282].
وأمر عقب هذه الآية بعدم كتمان الشهادة وذلك يكون بأدائها على وجهها دون تحريف فيها ولا نقصان منها: { وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وََمَن يكْتُمْهَا فَإنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ } [البقرة:283].
=============
المصدر : هدي الإسلام .
[/center]