منتديات اقرأ معنـا
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


قال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم :{إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاثة: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعوا له}
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخولتسجيل دخول الاعضاء
بسم الله الرحمن الرحيم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته , المنتدى تابع لشركة احلى منتدى والخدمة والصيانة مدى الحياة , وأعضاؤنا قدموا 33879 مساهمة في هذا المنتدى وهذا المنتدى يتوفر على 8838 عُضو , للإستفسار يرجى التواصل معي عن طريق إرسال رسالة شخصية .. ولكم فائق تحياتي وتقديري , المدير العام : علي أسامة (لشهب أسامة)
Cool Yellow
Outer Glow Pointer
مواضيع مماثلة

     

      جسر الأهوال

    اذهب الى الأسفل 
    كاتب الموضوعرسالة
    علي أسامة (لشهب أسامة)
    المدير العام
    المدير العام
    علي أسامة (لشهب أسامة)


    الأوسمة وسام العضو المميز
     جسر الأهوال 41627710
    الجنـسية : gzaery
    البلد : الجزائر
    الجنـــس : ذكر
    المتصفح : fmfire
    الهواية : sports
    عدد المساهمات : 26932
    التقييم : 0
    تاريخ التسجيل : 24/10/2008
    العمر : 31
    الموقع : https://readwithus.yoo7.com/
    المزاج : nice
    توقيع المنتدى + دعاء : توقيع المنتدى + دعاء

     جسر الأهوال Empty
    مُساهمةموضوع: جسر الأهوال    جسر الأهوال I_icon_minitimeالأحد 18 ديسمبر - 19:02

    بسم الله الرحمن الرحيم

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
















    جسر الأهوال


    بلال بن عبد الصابر قديري



    أمَّا بعدُ:
    فيا
    عباد الله، لا أوصيكم بدنياكم فأنتم بها مستوصون، إنما أوصيكم بأخراكم
    التي إليها تنقلبون، الدنيا دار ممر، والآخرة هي المستقر، فاعملوا للدنيا
    بقدر بقائكم فيها، واعملوا للآخرة بقدر دوامكم فيها، الدنيا ساعة فاجعلوها
    طاعة، والقيامة آتية فالزموا العمل تكونوا فيها في عافية، واتَّقوا ربَّكم
    حقَّ التقوى، بفعل الأوامر وترك النواهي، واجتناب الشُّبهات، والبعد عن
    الشهوات، وتذكَّروا نِعَم الله عليكم، فكم خصَّكم بنعمة، وأزال عنكم
    نِقمة! أعورتم له فستركم، وتعرَّضتم لأخذه فأمهلكم؛ {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد: 38].

    [center]لاَ دَارَ لِلْمَرْءِ بَعْدَ الْمَوْتِ يَسْكُنُهَا إِلاَّ الَّتِي كَانَ قَبْلَ الْمَوْتِ يَبْنِيهَا
    فَإِن بَنَاهَا بِخَيْرٍ طَابَ مَسْكَنُهُ وَإِنْ بَنَاهَا بِشَرٍّ خَابَ بَانِيهَا

    أيُّها الناس:
    إن
    من غرائب العجائب أن يُوقِن الإنسان حصول شيءٍ خطير، وينتظر وقوع حدث
    مهمٍّ، ثم لا يجتهد في أخذ الأُهْبة له، والتزوُّد بما ينجي من كربته
    وروعه وفزعه، وتأمَّلوا لذلك مثلاً: ما أكثر المؤمنين بالآخرة، الموقنين
    بقرب أوانها، والمصدِّقين تحقُّق وقوعها؛ {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر: 1]، {إِنَّ السَّاعَةَ لآَتِيَةٌ لاَ رَيْبَ فِيهَا} [غافر: 59]، ومع ذلك ما أكثر من صرعتهم لذَّات الدنيا الفانية، وأشغلتهم عن التزوُّد للباقية بالباقيات الصالحات؛ {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ * مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ * لاَهِيَةً قُلُوبُهُمْ} [الأنبياء: 1- 3].



    إنَّ الآخرة دار أهوال وشدائد؛ {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ * فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ * عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ} [المدثر: 8- 10]، فتجولوا
    في الآخرة بقلوبكم، وتفكَّروا فيها، وزوروا المقابر بأبدانكم؛ فإنها
    تذكِّركم الآخرة، وترقِّق القلب، وتدمع العين، فالتفكر فيها ضامن لتغير
    الأحوال.



    وفي هذا المقام نحن بصدد شيءٍ يسير من ذلك التفكُّر، الذي يُحيي مَوَات القلوب.



    إذا
    أَذِن الله بالقيامة فقامتْ، وبالخلائق فبعثوا، وبالصحف فتطايرت ونُشِرت،
    وبالموازين فوضعت، فبُعثِر ما في القبور، وحُصِّل ما في الصدور، واتَّضح
    أهلُ الإيمان واليقين، من أهل الكفر والجحيم، يبقى مَنْ كان يعبد الله من
    برٍّ وفاجر، فيأتيهم الجبَّار - جل جلاله - في غير الصورة التي يعرفونه
    بها، فيقول: أنا ربكم، فيقول المؤمنون: نعوذ بالله منك، إذا أتانا ربُّنا
    عرفناه، فيأتيهم في الصورة التي يعرفونه بها، فيقول: أنا ربكم، فيقولون:
    أنت ربُّنا، فيسجد المؤمنون، أما المنافقون فلا يستطيعون السُّجود؛ {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ}
    [القلم:43- 42]، ثم يتبعون ربَّهم - تبارك وعزَّ - فيُنصَب لهم الصِّراط
    على ظهر جهنم، وهو جسرٌ ممتدٌّ فوق جهنَّم، ما من أحد منهم إلا سيسير
    عليه؛ {وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا}
    [مريم:71- 72]، وورود المسلمين للنار المرور على الجسر، وورود المشركين أن
    يدخلوها؛ ففي "سنن ابن ماجه": أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إني
    لأرجو ألاَّ يدخل النارَ أحدٌ - إن شاء الله تعالى - ممَّن شهد بدرًا
    والحديبية))، قالت حفصة: يا رسول الله، أليس قد قال الله: {وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيًّا}؟ فقال: ((ألم تسمعيه يقول: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا}؟))،
    أشار النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أنَّ ورود النار لا يستلزم دخولها،
    وأن النَّجاة من الشرِّ لا يستلزم حصوله، بل يستلزم انعقاد سببه، فمَنْ
    طلبه أعداؤه ليهلكوه ولم يتمكَّنوا منه، يقال: نجَّاه الله منهم.



    الصراط ليس كجسور الدنيا المعلَّقة في الهواء، ولا
    الطافية على الماء، وليس كالجسور التي تربط بين البلدان، ولا التي يسير
    عليها الرُّكبان، فكلُّ هذه الجسور تتضعضع أمام ذلك الجسر، إنه جسر
    الأهوال على متن جهنم، إنها عقبة كؤود دون الجنة، والجواز على الصراط هو
    النجاة حقًّا، فمَنْ قطعه سالمًا فقد نجا من النار إلى الأبد، وفاز فوزًا
    عظيمًا؛ قال الله - تعالى -:{وَلَوْ نَشَاء لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ} [يس: 66].



    والإيمان بالصراط حتمٌ لازم، قامت
    أدلَّة الكتاب والسنة على إثباته، والنَّاس يكونون في الظُّلمة عند الجسر
    حين تُبَدَّل الأرض غير الأرض والسماوات؛ فعن عائشة - رضي الله عنها -
    قالت: سألتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قوله - عز وجل -: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ}
    [إبراهيم: 48]، فأين يكون الناس يومئذ يا رسول الله؟ قال: ((على الصراط))،
    وفي رواية عند الترمذي قال - صلى الله عليه وسلم -: ((هم على جسر جهنم))؛
    رواه مسلم، والصراط الطريق الواضح عند أهل اللغة، ومنه قول جرير:

    أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى صِراطٍ إِذَا اعْوَجَّ الْمَوَارِدُ مُسْتَقِيمِ

    وشرعًا: جسرٌ ممدود على مَتْن جهنم، يَرِدُه المؤمنون والمنافقون، فهو قنطرة بين الجنة والنار.



    والصِّراط
    إنما ينصب على ظهر جهنم للمؤمنين والمنافقين، أمَّا الأمم الكافرة فإنها
    تتبع ما كانت تعبده من آلهة باطلة، فتسير الآلهة بالعابدين إلى نار
    الجحيم، {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ} [هود: 98].



    ولنَتَصَوَّرَ طولَ الصراط وعظمته؛ لنتذكَّر
    أن جهنم يؤتى بها يوم القيامة لها سبعون ألف زمام، مع كل زمامٍ سبعون ألف
    مَلَك يجرُّونها، أما القَعر فبعيد، لو أُلقي فيها حَجَرٌ لم يصل إلى
    قعرها إلا بعد سبعين سنة، قال مجاهد: قال ابن عباس: "أتدري ما سعة جهنم؟
    قلت: لا، قال: أجل، والله لا تدري، إن شحمة أذن أحدهم وبين عاتقه – أي:
    الرجل من أهل النار - مسيرة سبعين سنة، تجري فيها أودية القَيْح والدم،
    قلت: أنهارًا؟ قال: لا، بل أودية"، ويكفيك أن تعلم أن الرجل من أهل النار
    ضرسه كالجبل.



    والناس
    يمرُّون على الصِّراط لا خيار لهم في الامتناع ولا التردُّد أو التأخُّر،
    ولِعِظَمِ الكرب عند الصراط لا يتذكر الإنسان إلا نفسه، وتشفق الملائكة من
    هوله إذا رأته؛ فعن سلمان الفارسي - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله
    عليه وسلم - قال: ((... ويوضع الصراط مثل حدِّ الموسى، فتقول الملائكة: من
    تجيز على هذا؟ فيقول: مَنْ شئت من خلقي، فيقولون: سبحانك ما عبدناك حق
    عبادتك))؛ رواه الحاكم، وصححه الألباني.



    ومن شدة هوله:

    أنه
    لا يتكلَّم عند المرور عليه إلا الرُّسل، يدعون الله - تعالى - بالسَّلامة
    لمن يَعْبُرُه من أتباعهم؛ فقد روى أبو هريرة - رضي الله عنه - أن رسول
    الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((فيضرب الصراط بين ظهراني جهنم، فأكون
    أوَّل مَن يجوز من الرسل بأمَّته، ولا يتكلَّم يومئذٍ إلا الرُّسل، وكلام
    الرسل يومئذٍ: اللهم سَلِّم سَلِّم))؛ متفق عليه، ولشدَّة هول هذا المقام
    قال معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: إن المؤمن لا يسكن روعه حتى يترك جسر
    جهنم وراءه.



    من أوصاف الصراط الثابتة في صحيح السنة النبوية:

    أنه
    مَدْحَضَةٌ مَزَلَّةٌ: مدحضة؛ أي: تزلق فيه الأقدام، ومزلَّة؛ أي: تسقط
    مِنْ عليه الأجساد والأرجل، وللصراط جنَبَتَان وحافَّتان؛ ففي حديث أبي
    بكرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((يُحمل الناس على الصراط يوم
    القيامة، فتتقادع بهم جنبتاه تقادع الفراش في النار))؛ رواه أحمد
    والطبراني، وحسنه الألباني؛ أي: يسقط بعضهم فوق بعض.



    طريقٌ
    مظلمٌ محرق، على حافتيه خطاطيف وكلاليب من نار معلقةٌ، وحَسَكةٌ مفلطحة،
    لها شوكة عقيفاء تكون بنجد يقال لها: السَّعدان، مأمورةٌ بأخذ من أُمِرَت
    به، والكلاليب جمع كُلُّوب، وهي حديدة معطوفة الرأس يعلق عليها اللَّحم،
    والخطَّاف الحديدة المعوجَّة كالكُلُّوب، يخطف بها الشيء، والحسَكة شوكة
    صلبة معروفة، وقيل: نبات له ثمرٌ خَشِن يتعلَّق بأصواف الغنم، والمفلطَحة؛
    أي: العريضة، والعقيفاء؛ أي: المعوجَّة، وشوك السَّعدان نباتٌ يرعى البدو
    أغنامهم فيه له شوك، وعلَّل ابن حجر نقلاً عن الزين بن المنيِّر - رحمهما
    الله - الحكمة في تشبيه الكلاليب بشوك السعدان: "أن ذلك لسرعة اختطافها،
    وكثرة الانتشاب فيها مع التحرُّز والتصوُّن، تمثيلاً لهم بما عرفوه في
    الدنيا، وألفوه بالمباشرة"، فضرب به المثل؛ كي نتصوَّر كيفية تعلُّق هذه
    الكلاليب بأجساد الناس، وتعلقهم بها إن هي أصابتهم، وحدُّ الصراط مثل حدِّ
    الموسى، أو كحدِّ السيف.



    أيُّها المسلمون:
    صحَّت
    الأخبارُ بأنَّ أوَّل مَن يجوز الصراط من الأمم هي أمَّة محمد - صلى الله
    عليه وسلم - لكرامتها عند الله - عز وجل - فتفتح الأمم الطريق لأمة محمد -
    صلى الله عليه وسلم - ليكونوا أول من يجوز الصراط، وأوَّل مَن يجوز من هذه
    الأمة هو نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - وأوَّل مَن يجوز من هذه الأمة
    بعد نبيِّها - صلى الله عليه وسلم - فقراء المهاجرين، وأمَّا آخر الناس
    مرورًا على الصراط فهو الذي يمشي مرة ويكبو مرة، تَسْفَعُهُ النار،
    يُسْحَبُ عليه سحبًا؛ فعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أن رسول
    الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((آخر مَن يدخل الجنة رجل يمشي على
    الصراط، فهو يمشي مرةً ويكبو مرةً، وتسفعه النار مرةً، فإذا جاوزها التفت
    إليها فقال: تبارك الذي نجَّاني منك؛ لقد أعطاني الله شيئًا ما أعطاه
    أحدًا من الأولِّين والآخرين...))؛ متفق عليه.



    الصراط مظلم أسود، يحتاج
    الناس إلى النور للمرور عليه، ويتفاوت الناس في النور الذي معهم عند
    المرور بقدر تفاوت أعمالهم الصالحة، فكلَّما زاد نورُك ازدادت سرعتُك،
    ويعطى كل إنسان منهم - مؤمنًا كان أو منافقًا - نورًا، ثم يتبعونه فيطفئ
    الله أنوار المنافقين؛ فيتساقطون في جهنَّم، فينكشف المنافقون عند الصراط،
    ويُسْلَبُ منهم النور الموصل إلى جنات النعيم، فيطلب المنافقون من أهل
    الإيمان أن ينتظروهم ليستضيئوا بالنور الذي وهبهم الله، فيقال: ارجعوا
    وراءكم إلى الدنيا فالتمسوا نورًا؛ {يَوْمَ
    تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ
    أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي
    مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ
    الْعَظِيمُ *
    يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آَمَنُوا
    انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ
    فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ
    فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ *
    يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ
    فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ
    الأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ
    الْغَرُورُ *
    فَالْيَوْمَ لاَ يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلاَ مِنَ الَّذِينَ
    كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاَكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [الحديد: 12- 15]، وعندها يشتدُّ لَجَأُ المؤمنين إلى ربهم؛ {يَوْمَ
    لاَ يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ
    يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا
    أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ
    قَدِيرٌ} [التحريم: 8]، قال مجاهد والحسن والضحَّاك: هذا يقوله المؤمنون حين يرون يوم القيامة نور المنافقين قد طفئ.



    من المؤمنين مَن
    يعطى نورًا مثل الجبل بين يديه، ومنهم مَنْ يعطى نورًا مثل النخلة بيمينه،
    حتى يكون آخرهم مَنْ يؤتى نوره على رأس إبهام قدمه، يطفئ تارةً ويضيء
    تارةً، فإذا أنار له مشى، وإذا أطفأ قام واقفًا.



    وفي هذا الموقف العصيب، والكرب الشديد، يرون النار توقد من تحتهم؛ {نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ * الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ} [الهمزة: 6- 7]، سوداء
    مظلمة، قد لظيَ سعيرُها، وعلا لهيبها، لها زفيرٌ وشهيق، ويتساقَط من بين
    أيديهم ومن خلفهم خلق ينظرون إليهم رأْيَ عين، تختلف سرعةُ الناس في
    الجواز على الصراط وتتفاوَت تبعًا لمراتبهم، وتفاوت أعمالِهم الصالحة،
    فبقدر أعمالهم الصالحة تكون سرعتُهم، تجري بهم أعمالُهم، والسرعة تابعة
    للنور يومئذٍ، فبقدر النور تكون السرعة: ((انجوا على قدر نوركم))، فمنهم
    مَن يمضي كانقضاض الكواكب، لا تصيبهم النار، ولا يسمعون حسيسها؛ لشدة
    مرورهم، وسرعة جوازهم، ومنهم مَن يمرُّ كالريح والإعصار في السُّرعة،
    ومنهم مَن يمرُّ كالطرف، وينجو أوَّل زمرة سبعون ألفًا لا حساب عليهم ولا
    عذاب، كأنَّ وجوههم القمر ليلة البدر، والذين يلونهم كأضوأ نجم في السماء
    حتى يبلغوا الجنة برحمة الله - تعالى - قال رسول الله - صلى الله عليه
    وسلم -: ((يَرِدُ النَّاسُ النَّارَ ثُمَّ يَصْدُرُونَ منها بأعمالهم،
    فأوَّلهم كلمح البرق، ثم كالريح، ثم كَحُضْرِ الْفَرَسِ – أي: كجري الفرس
    - ثم كالراكب في رحله، ثم كَشَدِّ الرَّجُلِ ثم كمشيه)).



    ومنهم مَن يمرُّ
    كَشَدِّ الرَّجُلِ - أي: الركض - ومنهم مَن يمرُّ تَخِرُّ يَدٌ وتعلَق
    يَدٌ، وتخرُّ رِجلٌ وتعلَق رجل، وتصيب جوانبه النار، فيخلصون إلى الطرف
    الثاني، فيقولون: الحمد لله الذي نجَّانا منكِ بعد أن أراناكِ، لقد أعطانا
    الله ما لم يُعطِ أحدًا، ويعجز بآخرهم عمله، حتى لا يستطيع أن يجوز إلاَّ
    أن يزحف زحفًا، وعند البخاري: ((حتى يكون آخرهم مَن يسحب سَحْبًا))، وفي
    رواية عند الحاكم: ((يكون آخرهم رجلاً يَتَلَبَّطُ - أي: يتقلَّب - على
    بطنه يقول: يا رب لمَ بطَّّأت بي؟ فيقول: إنما بطَّأ بك عملك))، ومَن
    بطَّأَ به عمله لم يسرع به نسَبه؛ قال النبي - صلى الله عليه وسلم -:
    ((حتى يجيء الرجل فلا يستطيع السير إلا زحفًا))، قال المُلاَّ علي القاري
    - رحمه الله -: أي: لضعف عمله وتقاعده عن السبق في الدنيا.



    وتقف الأمانة على يمين الصراط، والرَّحم على شماله؛ لعِظَم شأنهما وحقهما، يوقفان هناك؛ لأجل أن تكونا شاهدتين للمُحِقِّ، وناطقتين على المضيِّع للحقوق فيهلك.



    والناس على أصناف حال المرور:

    ناجٍ مُسَلَّم، وناجٍ مخدوش، يُكْلَمُ ثم ينجو، ومحتبسٌ به على الصراط حتى يطلق، ومنكوسٌ فيها - عياذًا ولواذًا بالله تعالى.



    والهالكون يومئذ كثير - سلَّمَنِي
    الله وإياكم من ذلك المنقلب - فعن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما -:
    أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((يدخل من أهل هذه القبلة النار مَن
    لا يحصي عددَهم إلا الله، بما عصوا الله، واجترؤوا على معصيته، وخالَفوا
    طاعتَه))؛ رواه الطبراني، وحسَّنَ إسناده ابنُ حجر، وصحَّحه الألباني،
    وصور الوقوع في نار جهنم من الصراط مختلفة، فمنهم المنكوس؛ وهو: المقلوب
    على رأسه بأن صار رأسه أسفل، والمُكَرْدَسُ؛ والمراد: مَن جمعت رجلاه إلى
    يديه وأُلقِي في مكان، والمَكْدُوس وهو المدفوع من ورائه، فقد أخبر - جل
    وعلا - بأنَّ الكفار يُدفعون إلى جهنم دفعًا شديدًا؛ حيث قال - تعالى -: {يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا} [الطور: 13].



    قال
    القرطبي - رحمه الله - في "التذكرة": "فتفكَّر الآن فيما بك من الفزع
    بفؤادك إذا رأيت الصراط ودقَّته، ثم وقع بصرك على سواد جهنم من تحته، ثم
    قرع سمعَك شهيقُ النار وتغيُّظها، وقد كُلِّفتَ أن تمشي على الصراط مع ضعف
    حالك، واضطراب قلبك، وتزلزل قدمك، وثِقَل ظهرك بالأوزار، المانعة لك من
    المشي على بساط الأرض، فضلاً عن حدة الصراط، فكيف بك إذا وضعتَ عليه إحدى
    رجليك، فأحسست بحدَّته، واضطررتَ إلى أن ترفع القدم الثانية، والخلائق بين
    يديك يزلُّون ويعثرون، وتتناولهم زبانيةُ النار بالخطاطيف والكلاليب، وأنت
    تنظر إليهم، كيف يُنكَّسون فتسفل إلى جهة النار رؤوسُهم، وتعلو أرجلهم؟!
    فيا له من منظرٍ! ما أفظعه! ومُرتَقًى ما أصعبه! ومجاز ما أضيقه!".

    إِذَا مُدَّ الصِّراطُ عَلَى جَحِيمٍ تَصُولُ عَلَى الْعُصَاةِ وَتَسْتَطِيلُ
    فَقَوْمٌ فِي الْجَحِيمِ لَهُمْ ثُبُورٌ وَقَوْمٌ فِي الْجِنَانِ لَهُمْ مَقِيلُ
    وَبَانَ الْحَقُّ وَانْكَشَفَ الْمُغَطَّى وَطَالَ الْوَيْلُ وَاتَّصَلَ الْعَوِيلُ

    وإذا
    كان الناس في الدنيا يحرصون على وسائل النقل السريعة - ولو بدفع مبالغ
    باهظة - لئلاَّ يصيبهم وَعْثَاءُ السفر، ورغبةً في الوصول بأسرع ما يمكن، أليس أَوْلَى بالمسلم أن يجاهد نفسه في الدنيا بالإكثار من الأعمال الصالحة؛ كي يجتاز هذا الصراط بأسرع ما يمكن؟!
    فالأعمال الصالحة هي مطايانا على الصراط، فالسُّرعة على الصِّراط ستكون
    بالعمل الصالح فحسب، فمَن بطَّأ به عملُه لم يسرع به ماله ولا نسبه،
    والمتباطِئون عن طاعة الله - عز وجل - سيدفعون ثمن تباطؤهم بأنواع العذاب،
    فلفح النَّار أثناء مروره، وخدش جسده أو تقطيعه بالكلاليب المعلَّقة -
    ممَّا أعده الله جزاءً وفاقًا؛ ففي الحديث: ((فمنهم من يُوبقُ بعمله - أي:
    يَهْلِك - ومنهم مَن يخردل، ثم ينجو))، قال المُلاَّ علي القاري: يُخردَل؛
    أي: يصرع أو يقطع قِطَعًا كالخردلة، والمخردل: المقطَّع، تقطِّعه كلاليب
    الصراط ثم ينجو.



    ولَرُبَّ ناسٍ أحسنوا
    الاستعداد للنقلة إلى دار القرار وأخذوا للأمر أُهْبَته، فأين أنت منهم يا
    عبدالله؟! فلتكن أيُّها الموفَّق كأبي الدرداء - رضي الله عنه - حين قال:
    سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إن أمامكم عقبةً كؤودًا لا
    يجوزها المثقلون، فأحب أن أتخفف لتلك العقبة))؛ رواه الحاكم وصححه، ووافقه
    الذهبي والألباني.



    وليكن حالك كحال جارية خالد الورَّاق
    - رحمه الله - حيث يحكِي عنها قائلاً: كانت لي جاريةٌ شديدة الاجتهاد،
    فدخلتُ عليها يومًا فأخبرتُها برفق الله وقبوله يسير العمل، فبكت، ثم
    قالت: إني لأؤمِّل من الله - تعالى - آمالاً لو حَمَلَتْهَا الجبال
    لأشفقتْ من حملها كما ضَعُفَتْ عن حمل الأمانة، وإني لأعلم أن في كرم الله
    مُستغاثًا لكل مذنب، ولكن كيف لي بحسرة السِّبَاق؟! قال: قلت: وما حَسرة
    السباق؟ قالت: غَداة الحشر إذا بُعثر ما في القبور، ورَكِبَ الأبرارُ
    نجائب الأعمال فاستَبَقوا إلى الصراط، وَعِزَّةِ سيدي - السيد الله، تبارك
    وتعالى - لا يَسبق مقصِّر مجتهدًا أبدًا، ولو حَبَا المُجدُّ حَبْوًا، أم
    كيف لي بموت الحزن والكمد إذا رأيتُ القوم يتراكضون وقد رُفِعَت أعلام
    المحسنين، وجاز الصراطَ المشتاقون، ووصل إلى الله المُحبُّون، وخُلِّفْتُ
    مع المسيئين المذنبين؟! ثم بَكَت: وقالت: يا خالد، انظر لا يقطعك قاطعٌ عن
    سرعة المبادرة بالأعمال، فإنَّه ليس بين الدارين دارٌ يُدرِك فيها
    الخُدَّام ما فاتهَم من الخدمة، فويل لمن قصَّر عن خدمة سيِّده، ومعه
    الآمال، فهلاَّ كانت الأعمال توقظه إذا نام البطَّالون.



    قال
    سهل بن عبد الله التُّستَري: مَن دقَّ الصراط عليه في الدنيا عَرُضَ عليه
    في الآخرة، ومَن عَرُضَ عليه الصراط في الدنيا دقَّ له في الآخرة، قال ابن
    رجب معلِّقًا على قول سهل التُّستَري: ومعنى هذا: أن مَن ضيَّق على نفسه
    في الدنيا باتِّباع الأمر واجتناب النهي، وهو حقيقة الاستقامة على الصراط
    المستقيم في الدنيا - كان جزاؤه أن يتَّسع له الصراطُ في الآخرة، ومَن
    وسَّعَ على نفسه في الدنيا باتباع الشهوات المحرمة والشبهات المضِلَّة،
    حتى خرج عن الصراط المستقيم - ضاق عليه الصِّراط في الآخرة، بحسب ذلك،
    والله أعلم. اهـ.



    بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعني الله وإياكم بما فيهما من الآيات والحكمة.




    [/center]
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://readwithus.yoo7.com
     
    جسر الأهوال
    الرجوع الى أعلى الصفحة 
    صفحة 1 من اصل 1
     مواضيع مماثلة
    -
    »  بلال بن رباح الساخر من الأهوال رضي الله عنه وأرضاه

    صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
    منتديات اقرأ معنـا :: ˆ~¤®§][©][ منتدى الإسلام و الســـنة ][©][§®¤~ˆ :: قســم الدعوة والإرشاد-
    انتقل الى: