علي أسامة (لشهب أسامة) المدير العام
الجنـسية : البلد : الجزائر الجنـــس : المتصفح : الهواية : عدد المساهمات : 26932 التقييم : 0 تاريخ التسجيل : 24/10/2008 العمر : 31 الموقع : https://readwithus.yoo7.com/ المزاج : nice توقيع المنتدى + دعاء :
| موضوع: مبادىء علم اصول الدعوة الأحد 18 ديسمبر - 18:30 | |
| [center]بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته كنت اقرأ كتاب مبادىء علم اصول الدعوة و قد وجدته كتاب عظيم الفائدة على صغر حجمه لذا بدأت فى نسخه لنشره فى هذا المنتدى المبارك فأسألكم الدعاء لسرعة الانتهاء . و فيما يلى التمهيد و المقدمة :
بسم الله الرحمن الرحيم
مبادىء علم اصول الدعوة دراسة تأصيلية تأليف الدكتور محمد يسرى
تمهيد ان الحمد لله نحمده و نستعينه و و نستهديه و نستغفره و نعوذ بالله من شرور انفسنا و من سيئات اعمالنا من يهده الله فهو المهتد و من يضلل فلن تجد له وليا مرشدا و اشهد ان لا اله الا الله وحده لاشريك له و اشهد ان محمدا عبده و رسوله صلى الله عليه و سلم تسليما كثيرا . اللهم رب جبرائيل و ميكائيل و اسرافيل فاطر السموات و الارض عالم الغيب و الشهادة انت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدنا لما اختلف فيه من الحق باذنك انك تهدى من تشاء الى صراط مستقيم ...ام بعد : فان الدعوة الى الاسلام عبادة و عمل كما قال سبحانه : (قل هذه سبيلى أدعوا الى الله على بصيرة أنا و من اتبعنى )-يوسف : 108 -. و لقد قامت الدعوة الى الله على اصول راسخة و منطلقات ثابتة و ملامح ظهرت و اطردت فى مناهج الانبياء فى الدعوة عامة و اكتمل بدر تمامها فى دعوته صلى الله عليه و سلم خاصة و فى ضوء هذه الاصول بقى اهل السنة و الجماعة بهذا الواجب قائمين و عن الاسلام منافحين ينشرون علما و يحققون توحيدا و يتبعون آثارا و يربون جيلا و يقيمون معروفا و يهدمون منكرا و يجاهدون عدوا و يجمعون الدين علما و عملا . و كان الدعاة فى اول امرهم يتلقون علم الدعوة و عملها بمشافهة الشيوخ و الممارسة بحضرة الكبار و لم تقم حاجة الى افراد علم الدعوة بالتصنيف و التأليف . ثم تطاول العهد و اتصل البعد و خلفت خلوف فنسوا حظا مما ذكروا به و اشتدت الحاجة الى استخراج الاصول العلمية و العملية و القواعد الشرعية التى اخذ بها الاسلاف الصالحون فى دعوتهم الى الله تعالى و التى آتت اكلها و اينعت ثمارها باذن ربها وصلا للحاضر بالماضى و تبصيرا لناشئة الدعاة و تقويما لمسيرة الدعوة و ترشيدا و تسديدا لجهود العاملين . و ان مما يدعو الى ذلك ما غلب على روح العصر من عناية بالتقعيد و اهتمام علوم السلوك و التربية و الادارة و الاتصال و التغيير و هى على ما فيها من نفع لا تخلو فى مصادرها و مناهجها عن مآخذ و عليه فان العلماء و الدعاة اليوم بحاجة الى قراءة معمقة فى منهج الخيرة من علماء السلف و دعاتهم تستخرج درره و تؤلف بين لآلئه فى نظام منهجى يعتمد على التراث و ينتفع بعلوم العصر . و فى هذه الصفحات محاولة لتأصيل و تقعيد علم اصول الدعوة بتحديده علميا و تمييزه معرفيا و رسم علاقاته و بيان تداخلاته مع التنويه بعظسم فضله و عميق دوره و اثره . ثم تبقى هذه المحاولة تمثل مقدمة عن علم اصول الدعوة و ليست تدوينا و تفصيلا لمباحثه او تسجيلا لقواعده و هى بهذا تمهد الطريق امام بحوث منهجية تأتى باذن الله . و الله تعالى المسئول ان يتقبلها بقبول حسن و ما توفيقى الا بالله عليه توكلت و اليه انيب و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
مقدمة
كان طلب العلم فى زمن الصحابة رضى الله عنهم اشتغالا بالقرآن الكريم و السنة المطهرة حفظا و فهما بطريقة موسوعية جامعة فلا تتجاوز الآية الواحدة حتى يتعلم ما فيها من انواع العلم و العمل معا و ذلك من غير تمييز بين انواع المسائل الشرعية او تفريق بين الوانها . فلما تطاول الزمان كثرت المسائل و تنوعت النوازل و اتسعت البلدان و اختلط اللسان العربى بالأعجمى و ظهرت عجمة فى الأفهام نتيجة لعجمة اللسان و اقتضى حسن التعليم و يسر التلقين العدول عن تلك الطريقة الجامعة الى ما هو ايسر و اقصر فعمد اهل العلم الى جمل من المسائل العلمية التى تشترك فى وحدة موضوعية جامعة فأفردوها باسم يخصها و بلقب يميزها عن غيرها من المسائل فتمايزت بذلك العلوم و تباينت الفنون فى اسمها و رسمها و عرفوا تلك العلوم بما يضبط مسائلها بطريقين غالبا اما بذكر الموضوع و المسائل التى يحتويها العلم و سموا ذلك حدا او تعريفا . و اما بذكر الفائدة و الثمرة و الغاية من دراسة ذلك العلم و سموا ذلك رسما و الذى دعا الى هذا التنويع هو ان فائدة العلم غير موضوعه و مسائله , فكما أن الثمرة ناشئة عن الشجرة و ليست عينها , فالفائدة مترتبة و ناشئة عن العلم بتلك المسائل فصار العلم الذى يتميز بشخصيته عند علماء التدوين هو جملة المسائل المضبوطة بجهة واحدة موضوعية كانت او غائية . ثم انه جرت عادة المصنفين من المتأخرين ان يدونوا مقدمة عن العلم و مسائله و ثمراته و ما يتعلق به فى صدر مصنفاتهم و ذلك لفوائد منها : * ان يحصل طالب العلم بصيرة و تصورا اجماليا للعلم قبل ان يدخل الى تفاصيله فيعرف الوحدة الجامعة لمسائله فيأمن عندئذ من اشتباه مسائل العلوم عليه و من دخوله فى مسائل ليست من مسائل العلم الذى عول عليه و قصد اليه . * ان يتحقق من فائدة العلم و نفعه و حكمه لينشط فى طلبه و تحصيله و ليستعذب المشاق فى سبيله و ليكون عند طلبه هذا العلم النافع المفيد مجتنبا للعبث و الجهالة . هذا و قد استقر عمل المصنفين على ذكر مبادىء عشرة لكل علم و فن تمثل مدخلا تعريفيا لطالب هذا العلم و جمع بعضهم هذه المبادىء العشرة فى قوله :
ان مبادىء اى علم كانا عشر تزيد من درى عرفانا الحد و الواضع ثم الاسم و النسبة الموضع ثم الحكم و غاية و فضله استمداد مســائل بـها الهنا يزداد و قال غيره :
مبادىء اى علم كان حد و موضوع و غاية مستمد و فضل واضع و اسم و حكم مسائل نسبة عشر تعد و هذه المبادىء العشرة اسم لمجموعة من المعانى و المعارف يتوقف عليها شروع الطالب و الباحث فى طلب العلم و تحصسله و بيانها كالتالى : 1الحد : و يقصد به التعريف الجامع لمسائل العلم و بحوثه و المانع من دخول مسائل من علوم اخرى فيه . 2-->الموضوع : و هو المجال المحدد الذى يبحث فيه العلم و الجهة التى تتوحد فيها مطالبه و مسائله . 3الاسم : و يعنى الالقاب التى اطلقها اهل هذا العلم عليه لتمييزه عن غيره حتى اصبح اعلاما عليه . 4>الحكم : و يقصد به الحكم الشرعى لتعلم هذا العلم من بين الاحكام التكليفية الخمسة . 5الفضل : ما للعلم من منزلة و شرف و اهمية بين العلوم . 6->الواضع : و يعنى به اول من ابتدأ التدوين و التصنيف فى العلم و وضع اساسه و ارسى قواعده كما يشمل تطور التأليف فى العلم و مراحله . 7الاستمداد : و هو الروافد و المصادر و الاسباب العلمية التى يستمد منها العلم . 8>النسبة : و يقصد بها صلة العلم و علاقته بغيره من العلوم . 9الغاية او الثمرة : و هى الفائدة التى يحصلها دارس العلم و متعلمه فى الدارين . 10* 0 المسائل : و هى المطالب التى يبحثها العلم و يقررها و التى تندرج تحت موضوعه . و جريا على سنن اهل العلم فان البحث سيسير فى ضوء من هذه المبادىء العشرة للتعريف بعلم اصول الدعوة و التقديم له و ذلك من خلال مباحث عشرة مع الحاق مبحث اخير ينبه على اهم مصادر و مراجع هذا العلم .
المبحث الاول تعريف علم اصول الدعوة
ان التعرف على حقيقة علم ما انما يكون بالتعرف على مفرداته حال الافراد ثم التعرف على معناها عند التركيب و الاضافة ثم بمعرفة المعنى المصطلحى اللقبى عند الاستعمال و الاطلاق و هذا يتأتى بمعرفة معنى كلمتى " اصول "و " الدعوة " و ذلك على النحو الآتى :
المطلب الاول
تعريف اصول الدعوة باعتبار مفرداته تعريف كلمة " اصول " : لغة : الاصول جمع اصل و يطلق على معان منها : ما يبنى عليه و ما يتفرع عنه غيره و ما يستند تحقيق الشىء عليه و غير ذلك اصطلاحا : يطلق الاصل اصطلاحا على الدليل كقولهم : " الاصلفى وجوب الدعوة بالكتاب و السنة " و يطلق على الراجح كقولهم: "الاصل فى حكم الدعوة انها فرض كفاية " و يطلق الاصل ايضا على القاعدة الثابتة كقولهم : " يجوز ترك الانكار – فى احوال معينة –على خلاف الاصل , و غير ذلك . و المختار من هذه الاطلاحات – مما يناسب موضوع البحث – هو المصطلح الاخير و هو معنى القواعد الثابتة . تعريف الدعوة : لغة : تدور مادة كلمة " الدعو " على معنى الطلب و النداء الى امر و الحث عليه و الحض عليه . و من دعا بالشىء فقد طلب احضاره و من دعا الى الشىء فقد حث على قصده و سأل غيره ان يجيبه اليه , قال تعالى : ( و الله يدعوا الى دار السلم ) - يونس : 25 -. و التعبير بالدعوة يتناول الدعوة الى الحق و الخير و الى الباطل و الشر و فمن استعمالها الى الحق قوله تعالى : ( له دعوة الحق ) – الرعد : 14 - .و قوله تعالى : ( و ادع الى ربك ) – الحج : 67 - و قوله صلى الله عليه و سلم لهرقل فى كتابه : " ادعوك بدعاية الاسلام " اى دعوته . و من استعمالها فى الدعوة الى الباطل ما جاء فى قوله تعالى : ( قال رب السجن احب الى مما يدعوننى اليه ) – يوسف : 33 – و قوله تعالى : (اولئك يدعون الى النار ) – البقرة :221 – و قوله صلى الله عليه و سلم : " ما بال دعوى الجاهلية ؟ " . و فى الجمع بين الاستعمالين قوله صلى الله عليه و سلم : " من دعا الى الهدى كان له من الاجر مثل اجور من تبعه لا ينقص ذلك من اجورهم شيئا و من دعا الى ضلالة كان عليه من الاثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا " اخرجه مسلم . و قوله صلى الله عليه و سلم : " ويح عمار تقتله الفئة الباغية, عمار يدعوهم الى الله و يدعونه الى النار " اخرجه البخارى . اصطلاحا : تطلق كلمة الدعوة فى اصطلاحها الشرعى و عند اهلها من الدعاة و العاملين حيث يعرف معناها بتقدير مضاف اليه محذوف لاشتهاره فهى دعوة الله او دعوة الاسلام اى انها دعوة الى دين الاسلام قال تعالى : ( قل هذه سبيلى أدعوا الى الله ) – يوسف : 108 – و الدعوة الى الاسلام هى دعوة الى الخير فى اكمل صورها قال تعالى : ( و لتكن منكم امة يدعون الى الخير و يأمرون بالمعروف و ينهون عن النكر و اولئك هم المفلحون ) – آل عمران : 104 – فالدعوة اصطلاحا : نداء الناس الى الله تعالى ايمانا به و تصديقا و الى دين الاسلام اجابة و تحقيقا . قال الامام الطبرى عنها : " هى دعوة الناس الى الاسلام بالقول و العمل " و قال شيخ الاسلام ابن تيمية : " الدعوة الى الله هى الدعوة الى الايمان به و بما جاءت به رسله بتصديقهن فيما اخبروا به و طاعتهم فيما امروا به " .
المطلب الثانى المعنى الاضافى لكلمتى اصول الدعوة ان اضافة كلمة " اصول " الى " الدعوة " يعطى معنى القواعد و الاسس التى يقوم عليها بنيان الدعوة الى الله تعالى و دين الاسلام .
المطلب الثالث معنى اصول " الدعوة " بلاطلاق العلمى اللقبى ان علم " اصول الدعوة " باعتباره اللقبى يعد علما جديدا يوشك ان تتميز مفاهيمه و تتحجج مبادئه و مقدماته و تحرر حدوده و ضوبطه بعد مرحلة من المد و التعميم و التداخل قد يمثلها التعبير عن هذا الفن بانه " الضوابط الكاملة للسلوك الانسانى و تقرير الحقوق و الواجبات " او بعد مرحلة من الجزر و الانحسار فى جوانب محدودة قد يمثلها تعريفه بانه " حث النلس على الخير و الهدى و الامر بالمعروف و النهى عن النكر ليفوزوا بسعادة العاجل و الآجل " و فى الحق ان علم اصول الدعوة الى الله ليس قاصرا على دعوة الى قضايا التوحيد و كلياته و ليس قالصا عن مسائل الفقه و جزيئاته و ليس منحصرا فى جانب البلاغ العام دون حمل الناس على التطبيق و الالتزام و كما انه يعنى بآداب و لطائف مستحبة فانه يجمع – ايضا – قواعد و اصولا واجبة و مع عناية هذا العلم باركان الدعوة و موضوعها فانه لا يهمل دراسة تاريخها و وسائلها و حالتها الراهنة و كل ذلك الا لتتحقق البصيرة فى دعوة ورثة الانبياء عليهم صلوات الله و سلامه , قال تعالى : ( قل هذه سبيلى أدعوا الى الله على بصيرة انا و من اتبعنى ) – يوسف : 108 – و قد حاول بعض الدعاة الفضلاء وضع تعريف يطلق مفهوم الدعوة من قيد الحد الاصطلاحى و احترازاته فقال : " هى نقل امة من محيط الى محيط " و يعنى بالأمة امة الدعوة تارة و امة الاستجابة اخرى فتنقل الاولى من محيط الكفر الى محيط الايمان و تنقل الثانية من محيط المعصية الى محيط الطاعة . و بناء على ما تقدم فان التعريف المقترح لعلم اصول الدعوة باعتباره اللقبى هو : " علم بقواعد و احكام و اسباب و آداب ينوصل بها الى تمام تبليغ الاسلام للبشر عامة و تعليم و تربية المستجيبين كافة و تحقيق التمكين لهذا الدين " و مما تجدر ملاحظته ان " العلم بالقواعد و الاحكام و الاسباب و الآداب " لا يغفل نوازل الدعوة المعاصرة من حيث القضايا و الادوات و الامكانيات و الملكات كما يستوعب تاريخ الدعوات و منهجية العلماء و طريقة المجددين المصلحين فى الدعوة و الاصلاح . كما يلحظ التشابه بين الدعوة و الفتوى فى حاجة كل الى العلم بالدليل و معرفة الواقع مع نسبة هذا العلم و تفاوته فى كل منهما و لذا يجدر التنبيه الى اهمية علم الداعى بقضايا المجتمع الكلية و الجزئيات التىتتعلق بالمدعو فى آن واحد . كما تجدر العناية بان الدعوة الى الله تعنى بأمتى الاجابة و الدعوة معا فالدعوة تتجه الى اهل الاسلام و اهل الكتاب كما تتجه الى من لا يتدين بدين اصلا فنطاق الدعوة هو البشر كافة . و الدعوة تعنى بالتربية و الاعداد و التكوين و تزكية المقبلين و بناء الكوادر الدعوية و العلمية و العملية . و التربية تقوم على دعائم من الربانية و الوسطية و الايجابية . و اذا كان التمكين لهذا الدين من الجوانب العملية فى الدعوة فانه يقتضى بذل كل سبب مشروع لتحقيق هذا الهدف فتأتى الاسباب المعنوية اولا من الاخلاص و التجرد و سلامة المعتقد و صدق الاتباع و صحة العلم ثم الاسباب المادية من العناية بالتربية و الامر و النهى و البصيرة بالواقع و التفاعل الصحيح مع قضايا الامة و الحرص على الوحدة و الاجتماع و التآلف و الشمول و التكامل . و عندها يتحقق وعد الله و قره الغالب و صدق الله تعالى اذ يقول : ( وعد الله الذين آمنوا منكم و عملوا الصالحات ليستخلفنهم فى الارض كما استخلف الذين من قبلهم و ليمكنن لهم دينهم الذى ارتضى لهم و ليبدلنهم من بعد خوفهم امنا يعبدوننى لا يشركون بى شيئا ) – النور : 55 – و قال سبحانه : ( و الله غالب على امره و لكن اكثر الناس لا يعلمون ) – يوسف : 21 _
المبحث الثانى موضوع علم اصول الدعوة
ان موضوع علم اصول الدعوة هو الاسلام من حيث كيفية تبليغ رسالته و قواعد و احكام السعى لتكون كلمة الله هى العليا فالاسلام بعلو و لا يعلى عليه . قال تعالى : ( و من يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه و هو فى الاخرة من الخاسرين ) – آل عمران : 85 -, فالاسلام هو طريق الله الذى نصبه لعباده على السن رسله و جعله موصلا لعباده اليه و لا طريق لهم اليه سواه بل الطرق كلها مسدودة الا هذا الطريق و هو افراده بالعبودية و افراد رسوله بالطاعة . و علم اصول الدعوة حين يدرس تبليغ الرسالة الخاتمة و وراثة النبى صلى الله عليه و سلم فى دعوة امته و القيام بمهمته يعنى ما يلى : *الدعوة : وذلك من حيث الجوانب التالية : اولا : المضمون و المقصود و هو بيان الاسلام بمراتبهو اركانه و شرائعه و اخلاقه و انظمته و خصائصه و مقاصده و محاسنه . ثانيا : من حيث ما يجب فى بلاغ الدعوة من قواعد حاكمة و ضوابط لازمة و اولويات مرتبة و مآلات مرعية .
ثالثا : من حيث ما يعرض للدعوة من مشكلات و معوقات و ما يتعلق بها من احكام و آداب و ما يستجد بساحتها من النوازل و استنباط احكامها الشرعية . رابعا : من حيث ما يتوصل به لتحقيق اهداف الدعوة من الوسائل و الاساليب المشروعة .
الداعى : كما يعنى علم اصول الدعوة بما يجب على الداعى من واجبات فى نفسه و فى غيره و ما يليق ان يتحلى به من الصفات و ما يلزمه ان يتخلى عنه من الآفات و ما يتعين عليه التزامه و الانضباط به فى جميع ما يتعلق بالدعوة من اعمال و ممارسات .
المبحث الثالث اسماء علم اصول الدعوة تعددت اسماء هذا العلم المبارك و تنوعت و ذلك لشرفه و علو منزلته اذ ان كثرة الاسماء تدل على عظم قدر المسمى و من اشهر الاسماء المعاصرة ما يأتى :
• علم الدعوة : و هو اعم اسماء هذا العلم و اوسعها و اشملها و اكثرها تناولا و استعمالا , و باسمه صنفت كتب كثيرة من اهمها على سبيل المثال : " الدخل الى علم الدعوة " لفضيلة الدكتور محمد ابو الفتح البيانونى حيث عرفه بقوله : " هو مجموعة من القواعد و الاصول التى يتوصل بها الى تبليغ الاسلام للناس و تعليمه و تطبيقه " و على هذا الاسم درج كثير من الكتاب و الدعاة المعاصرين . • اصول الدعوة : و هو ما اعتمدناه فى هذا المبحث تعريفا و اصطلاحا لقبيا لهذا العلم فتدخل ادلة الدعوة و مصادرها و اركانها دخولا اوليا ثم يمتد نكاق هذا المصطلح ليشمل احكاما و آدابا تتعلق بالدعوة فى وسائلها و نوازلها المتصلة بقضية البلاغ و صنيع من كتب فى اصول الدعوة من العلماء و الدعاة بوحى هذا المعنى الواسع كما فى كتاب " اصول الدعوة " لفضيلة الدكتور عبد الكريم زيدان حيث شمل كتابه كثيرا مما يتصل باصول الدعوة و موضوعها و وسائلها و آدابها و ما يتصل بالداعى و المدعوين من مسائل و ان خلا الكتاب عن تعريف اصطلاحى دقيق لهذا العلم . • مناهج الدعوة : و هذا اصطلاح يتناول خطط الدعوة و نظمها و قد يتوسع فى مفهومه فيتناول الاهداف و الاصول و القواعد كما فعل فضيلة الاستاذ محمد سرور زين العابدين فى كتابه : " منهج الانبياء فى الدعوة الى الله " حيث قال عن مقصوده عن هذا المصطلح "قصدت الاصول و الاهداف التى كانت تجمع بين انبياء الله جميعا و هذا الذى يعينه كثير من الكتاب فى عصرنا و كما يقولون : " لا مشاحة فى الاصطلاحات " • فقه الدعوة : و هو من اشمل هذه الاصطلاحات موضمعا و باسمه صنفت كتب كثيرة من اهمها : " فقه الدعوة الى الله " لفضيلة الدكتور على عبد الحليم محمود . و من الجدير بالذكر ان ابواب هذا العلم قد افردت بالتصنيف بل و افردت بالدراسة على اعتبار انها علوم مستقلة فى كليات الدعوة و اقسامها بجامعات العالم الاسلامى اليوم .
فيما بلى المبحث الرابع و الخامس و السادس المبحث الرابع حكم تعلم اصول الدعوة ان حكم تعلم هذا العلم ينبىء على حكم الدعوة نفسها و من انعم النظر علم ان الدعوة الى الله حياة الاديان و انه ما قام دين و لا انتشر الا بالدعوة و لا تداعت اركان ملة بعد قيامها و تلاشت الا بترك الدعوة و التعليم و التذكير . قال ابن القيم : " اذا كانت الدعوة اشرف مقامات العبد و افضلها فهى لا تحصل الا بالعلم الذى يدعو به و اليه و لابد فى كمال الدعوة من البلوغ فى العلم الى حد يصل اليه السعى" و قد اتفق العلماء فى الجملة على وجوب الدعوة الى الله و ذلك لعموم قوله تعالى : ( ادع الى سبيل ربك ) – النحل : 125 – و قوله سبحانه : ( و ادع الى ربك )- القصص : 87 – ثم اختلفوا فى نوعية الوجوب هل هو على التعيين ام على الكفاية ؟ و لكل ادلة قوية و منهم من رجح القول الاول و منهم من رجح القول الثانى و مع كون ادلة الفريق الثانى اظهر و اقوى الا ان ثمرة الخلاف العملية قليلة و ذلك لاتفاق الفريقين على اصل الوجوب و لاتفاق القائلين بالوجوب الكفائى على انه اذا لم تحصل الكفاية اثم جميع القادرين كل بحسبه و كذا فان القائلين بفرض العين قيدوا الوجوب بالاستطاعة فمن لم يكن عالما بحكم المنكر لم يعد مستطيعا اتفاقا , و من كان عاجزا عن التغيير فقد سقط عنه الوجوب اذ مناط الوجوب هو القدرة فيجب على القادر ما لا يجب على العاجز لقوله تعالى : ( فاتقوا الله ما اسنطعتم ) – التغابن : 16 – و قوله صلى الله عليه وسلم : " اذا امرتكم بامر فأتوا منه ما استطعتم " اخرجه البخارى و مسلم . و فى الجمع بين القولين قال شيخ الاسلام : " و كل واحد من الامة يجب عليه ان يقوم من الدعوة بما يقدر عليه اذا لم يقم به غيره فما قام به غيره سقط عنه و ما عجز لم يطالب به كما يمكن الحمع بين القولين بتقسيم الدعوة الى خاصة و عامة فالخاصة فى بيت الرجل و بين اهله و فى سلطانه و هى واجب عينى لقوله صلى الله عليه و سلم : " كلكم راع و كلكم مسئول عن رعيته " اخرجه البخارى و مسلم . و الدعوة العامة فى سائر المسلمين دعوة الى الخير و امر بالمعروف و نهى عن المنكر و هى واجب كفائى لقوله تعالى : ( و لتكن منكم امة يدعون الى الخير و يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر ) – آل عمران : 104 – و اخيرا فان تحقق الكفاية فى الدعوة اليوم امر متعذر و غير متيسر فدعوة المسلمين مجال رحب فسيح متجدد و اوسع منه و ارحب دعوة غير المسلمين الى الاسلام , كل ذلك فى عالم يموج بالفتن و تستحكم فيه الجهالة و يتسع فيه الخرق على الراقع . و نظرا الى هذا فان الدعوة الى الله عز و جل اليوم اصبحت فرضا عاما و واجبا على جميع العلماء و على جميع الحكام الذين يدينون بالاسلام فرض عليهم ان يبلغوا دين الله حسب الطاقة و الامكان بالكتابة و الخطابة و بكل وسيلة استطاعوا , و الا يتقاعسوا عن ذلك او يتكلموا على زيد ا عمرو فان الحاجة بل الضرورة ماسة اليوم الى التعاون و الاشتراك و التكاتف فى هذا الامر العظيم . و لا يرد على هذا الحكم بظاهر قوله تعالى ( يأيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل اذا اهتديتم ) – المائدة : 105 – بجواز ترك الدعوة حال الهداية فان ترك الدعوة مخصوص بفساد الحال فى آخر الزمان حيث لا ثمرة و لا اثر للدعوة و الانكار لغلبة الشح المطاع و الهوى المتبع و اعجاب كل ذى رأى برأيه كما ان الاهتداء المذكور فى الآية لا يتم الا بالقيام بالدعوة و الامر و النهى بل ان الآية لتدعو المؤمن الا يهاب و يرهب من دعوة الكافر و المنافق و الفاجر فانهم لن يضروه اذا كان مهتديا . و لقد عالج الصديق رضى الله عنه هذا الفهم السقيم فقال : " يا ايها الناس انكم تقرؤن هذه الآية و تتأولونها على غير تأويلها و انى سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : " ان الناس اذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه اوشك الله ان يعمهم بعقاب من عنده " رواه ابو داود و الترمذى و صححه الشيخ الالبانى . و حال اهل العلم سلفا و خلفا الى يوم الناس هذا يدل على انهم لا يدفنون انفسهم بالعزلة عن نفع الناس بل و يرهبون عن ذلك . يقول شيخ الاسلام ابن تيمية : " نرك اهل العلم لتبليغ الدين كترك اهل القتال للجهاد و ترك اهل القتال للقتال الواجب عليهم كترك اهل العلم للتبليغ الواجب عليهم " كما لا ينبغى ان يفت فى عضد اهل الدعوة انتفاش الباطل و انتشاره لأن الله انما كلفهم بالبلاغ و ليس بالهداية و لهم فى انبياء الله اسوة فان النبى من انبياء الله قد يأتى يوم القيامة و معه الرجل و الرجلان و قد يأتى ليس معه احد و لا يكون هذا عن تقصير فى الدعوة او اخلال بالبلاغ فان الهداية مسلمة الى الله تعالى وحده قال عز و جل : ( انك لا تهدى من احببت و لكن الله يهدى من يشاء ) – القصص : 56 - و قال سبحانه : ( ليس علبك هداهم و لكن الله يهدى من يشاء ) – البقرة : 272 – فالدعوة انما هى ( معذرة الى ربكم و لعلهم يتقون ) –الاعراف : 164 – و تأسيسا على ما تقدم فان ممارسة الدعوة الى الله تعالى و اجبة وجوبا عينيا يتفاوت بحسب كل مكلف و العلم قبل القول و العمل ففرض على كل داعية ان يتعلم من علم اصول الدعوة ما يقيم دعوته صحيحة موافقة للهدى و السمت الذى كان عليه الدعاة الأوائل عليهم صلوات الله و سلامه . قال سبحانه و تعالى : ( فبهداهم اقتده ) –الانعام : 90 – و القاعدة الفقهيه تنص على ان " ما لا يقوم الواجب الا به فهو واجب " فعلى كل داعية ان يستقى من علم " اصول الدعوة " ما لا يسعه ان يجهله من هدى النبى صلى الله عليه و سلم فى الاصلاح و التغيير و ان يدرك سنن الله الحاكمة فى النمكين و الاستخلاف . ثم انه يجب على بعض الدعاة الفقهاء ان يقوموا بفرض الكفاية من الاجتهاد الذى يهيئهم للنظر فى النوازل الدعوية و يمكنهم من استنباط الاحكام الشرعية و تحقيق المصالح المعتبرة و تكميلها و دفع المفاسد او تقليلها و الموازنة بين الايجابيات و السلبيات دعما و تسديد لمسيرة الدعوة و حفظا و ترشيدا لجهود العاملين .
المبحث الخامس فضل علم اصول الدعوة ان فضائل علم اصول الدعوة لمما يجل عن الحصر و يفوق على العد فان له ما للقيام بالدعوة من فضائل لأنه بتعلم علمه يحصل عميم الأجر و جزيل الفضل فأجور الدعاة مضاعفة ابدا و الدعاة الفقهاء باصول الدعوة يترقون فى مقامات الأنبياء تعلما و تعليما قائمين على حدود الله يحفظون الدين من الوهن و يجددون اركانه و يرعون سفينة المجتمع ان تغرق فى بحار الشهوات او الشبهات . المبحث الخامس فضل علم اصول الدعوة ان فضائل علم اصول الدعوة لمما يجل عن الحصر و يفوق على العد فان له ما للقيام بالدعوة من فضائل لأنه بتعلم علمه يحصل عميم الأجر و جزيل الفضل فأجور الدعاة مضاعفة ابدا و الدعاة الفقهاء باصول الدعوة يترقون فى مقامات الأنبياء تعلما و تعليما قائمين على حدود الله يحفظون الدين من الوهن و يجددون اركانه و يرعون سفينة المجتمع ان تغرق فى بحار الشهوات او الشبهات . و بتعلم اصول الدعوة يتوصل الى تحقيق الحكمة الدعوية المأمور بها قرآنا و سنة و تتحقق البصيرة بسبيل الدعوة و اساليبها و وسائلها و يتوصل الى احكام الله تعالى فى النوازل الملمة و مناهج التغيير و وسائله و مسائله المستجدة . • فاذا كان الدعاة ورثة الأنبياء فى التزكية و البلاغ فان الدعاة العلماء فى الذروة من هذه المنزلة . و فى الحديث : " من يرد الله به خيرا يفقهه فى الدين " رواه البخارى و مسلم و غيرهما قال ابن القيم : " ان افضل منازل الخلق عند الله منزلة الرسالة فالله يصطفى من الملائكة رسلا و من الناس و كيف لا يكون افضل الخلق عند الله من جعلهم وسائط بينه و بين عباده فى تبليغ رسالاته و تعريف اسمائه و صفاته و افعاله و احكامه ....و جعل اشرف مراتب الناس بعدهم مرتبة خلافتهم و نيابتهم فى اممهم بانهم يخلفونهم على مناهجهم و طريقهم من نصيحتهم للأمة و ارشادهم الضال و تعليمهم الجاهل و نصرهم المظلوم و اخذهم على يد الظالم و امرهم بالمعروف و فعله و نهيهم عن المنكر و تركه و الدعوة الى الله بالحكمة للمستجيبين و الموعظة الحسنة للمؤمنين الغافلين و الجدال بالتى هى احسن للمعاندين المعرضين . • و اذا كان طلب العلم محمودا و معدودا فى سبيل الله فان طلب العلم الذى يتوقف عليه تبليغ الدين و اقامته من اعظم الجهاد , قال صلى الله عليه و سلم : " أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر " اخرجه احمد و ابو داود و الترمذى . • و اذاكان دعاء النبى صلى الله عليه و سلم و اهل السموات و الارض للدعاة عموما فان الدعاة الذين نفروا ليتفقهوا فى اصول الدعوة هم فى الطليعة من هذا الخير فهم احسن الدعاة قولا و أصلحهم فى المسلمين عملا . • و اذا كان جهاد الدعوة بالكلمة له فضل كبير فانه لا يدرك امانة الكلمة و لا فقهها مثل الدعاة العلماء بهذا العلم النفيس , قال عز و جل ( و من احس قولا ممن دعا الى الله و عمل صالحا و قال اننى من المسلمين ) – فصلت : 33 - اولئك والله الأقلون عددا و الأعظمون عند اللهقرا يحفظ الله بهم حججه و بيناته حتى يودعوها نظراءهم و يزرعوها فى قلوب اشباههم هجم بهم العلم على حقيقة البصيرة و باشروا روح اليقين و استلانوا ما استوعره المترفون و أنسوا بما استوحش منه الجاهلون و صحبوا الدنيا بابدان متعلقة بالمحل الأعلى اولئك خلفاء الله فى ارضه و الدعاة الى دينه . • و اذا كانت الدعوة الى الله من اشرف الأعمال و أنفعها عند الله فان علم اصولها من اشرف العلوم و أنفعها للداعى و للمدعو على حد سواء و كل فضل ثبت للدعاة عموما فأرباب العلم و البصيرة باصول الدعوة و فقهها به اولى و احرى . قال تعالى : (يرفع الله الذين آمنوا منكم و الذين اوتوا العلم درجات ) –المجادلة : 11 – • و لا يفوت فى هذا المقام التأكيد على ان تعلم هذا العلم من اعظم سبل الوحدة و الائتلاف و نبذ الفرقه و الاختلاف و صلاح ذات البين و ما قد يوجد من مظاهر الفرقة و التخالف بين الدعاة مرده الى امور كثيرة من اهمها : غياب او ضعف العلم الشرعى الأصيل و كذا علم اصول الدعوة و فقه ممارستها و خفوت نور الربانية فى الصدور و ضعف التحقق بالأخلاق النبوية و الشمائل السلفيه.فلا غنى عن غلبة روح التأصيل العلمى و التفريق بين المقبول و المردود من الخلاف و المحكم و المتشابه من النصوص و القطعى و الظنى من الدلالات .
المبحث السادس نشأة علم اصول الدعوة و تطوره
ان مفردات هذا العلم قديمة قدم الدعوة لم ينفك علم الدعوة عن عملها فى منهج الأنبياء صلوات الله و سلامه عليهم و مازال علم الدعوة و عملها عبادة يتقرب بها الدعاة الى الله جيلا فجيل و لما قام عبد الله و رسوله صلى الله عليه و سلم يدعو الى الله تاليا آياته و معلما احكامه و مزكيا اتباعه تخرج اصحابه فى مدرسته و تفقهوا بعلمه و تأدبوا بأدبه و أنجز الله لهم وعده فأظهر دينه و أعلى كلمته و أعز اهله و اقتفى التابعون آثار الاسلاف فنشروا الاسلام و بلغوا فيه كل مبلغ قكانت جل الجهود مصروفة الى حفظ العلم و اتقان العمل . و عندما بسط الاسلام نوره على الدنيا و دانت له الارض اتجهت العلوم وجهة التأصيل و التقعيد و كان علم الدعوة ابوابا منثورة فى كتب السنة و دواوينها حينا و فى كتب التفسير و شروحاتها حينا و كتب السيرو التاريخ و التراجم احيانا اخرى و لم يجتمع من ذلك علم بالمعنى الاصطلاحى للعلم لأن مبعث تأصبل العلوم و افرادها بالتصنيف هو الحاجة اليها و لم تكن الدعوة اذ ذاك عملا مهجورا و لا امرا مستورا اذ كان المجتمع الاسلامى كله ناشطا بالدعوة الى الله تسرى روحها فى اوصاله و تتنفس رحيقها جنباته . و كانت الدولة الاسلامية آنذاك ترى الدعوة الى الله أولى وظائفها فى الداخل و محور علاقاتها فى الخارج بل كانت ترى الدعوة سر وجودها و نظام حياتها و بقائها تخاطب بارسال الدعاة و تدعو باستقبال الوفود و تدعو بالحسبة و التغيير و تزيل العقبات امام الدعوة بالجهاد . فكان المجتمع افرادا و جماعات حكاما و محكومين متحققين فى الجملة بقوله تعالى : ( الذين ان مكناهم فى الارض أقاموا الصلاة و آتوا الزكاة و أمروا بالمعروف و نهوا عن المنكر و لله عاقبة الأمور ) –الحج :41 – و بقى الامر مقاربا حتى خلف من بعدهم خلف أضاعوا الواجبات و اتبعوا الشهوات و اهملوا العلم و العمل على مختلف المستويات فما استفاقوا الا على استلاب دولتهم و زوال خلافتهم و تفرق شملهم و تغير حالهم و استبدالهم بالقوة ضعفا و بالعزة ذلا و بالغنى فقرا . الا ان السبات و ان طال فلابد – باذن الله – من يقظة و الغفلة و ان استمرت فلابد من صحوة و تنادى المصلحون من كل جانب ليعود المسلمون الى سابق عهدهم و سالف مجدهم و عادت الدعوة لتبعث الامة من جديد فكتب الدعاة العلماء يشخصون الداء و يصفون الدواء و برزت الحاجة الى هذا العلم بالحاح نظرا لما اكتنف الامة من جهالة و ما احاط بالعمل الدعوى من غموض فى بعض مفاهيمه و خلل فى بعض اصوله و اضطراب فى مناهجه و قصور فى اساليبه و جمود فى وسائله و خطورة فى نوازله و عقبات عملية فى طريقه تهدف الى وأده تارة و تشويهه و تعويقه تارة اخرى . و قامت فى العصر الحديث نهضة دعوية و تيارات اسلامية و عرفت المؤسسات الدعوية و الاعلامية و تأسست الكليات الدعوية و الاقسام العلمية فى الجامعات الشرعية كل ذلك خدمة لقضية الدعوة و لا جرم ان كان تدوين هذا العلم فى اوله قاصرا محدودا ثم تكاملن و اجتمعت اجزاؤه و اركانه فاستوى و قام على سوقه و بلا شك فقد كان اوله – فى العصر الحديث – عاطفة و حماسا و ان لم يخل من تأصيل و تقعيد ثم ان آخره كان فقها و تقعيدا و ان لم يخل من عاطفة و تحميس . فلا عجب ان يستفيد اللاحق من السابق فيؤصل للدعوة مناهجها و يضبط وسائلها و اهدافها و يبصرها بمواضع الزلل و مكامن الخلل و مواطن الرشد و اسباب العلاج و قديما قيل : كم ترك الأول للآخر ؟ و مما تجدر ملاحظته ان التصنيف الخاص فى الدعوة الى الله اخذ فى بادىء الامر سمة الوعظ و التذكير و المخاطبة بما يرقق القلوب و يزهد فى الدنيا و يرغب فى الاخرة حيث عرفت ابواب الرقائق فى عامة كتب الحديث كالصحاح و السنن و افردت ابواب الزهد بكتب مستقلة كالزهد للامام ابن المبارك و الزهد للامام احمد و نحو ذلك مما يشتمل على دعوة النفس و محاسبتها . ثم جاء ابن الجوزى بكتابه الوعظى " التبصرة " و قد جمعت خطبه و مجالس وعظه فى اسفار عديدة مثل " اللطف فى الوعظ " و " الشفاء فى موعظة الحكامو الخلفاء " ثم الف كتابا بعنوان " القصاص و المذكرين "ضمنه طائفة من القواعد الاساسية فى الدعوة الى الله و بيانا لكيفية الدعوة و آداب الداعى و شروطه كما ضمنه تراجم مجموعة من القصاص و المذكرين و نتفا مضيئة من جوامع الكلم و روائع البيان عن الصحابة فمن بعدهم و قد سمى ابن الجوزى هذا الفن باسماء ثلاثة : القصص و التذكير و الوعظ فلو قيل ان ابن الجوزى المتوفى عام 597 هـ رحمه الله هو واضع هذا الفن لم يكن بعيدا . على ان الوعظ و التذكير و القصص كلها تندرج تحت معنى واحد هو الدعوة الى الله بالكلام او بالخطابة و ما ورد عن السلف من ذم للقصاص فمحمول على ما لم يكن فيه علم الكتاب و السنة او ما لم يتحر اصحابه فيه الصدق و الصواب و الاخلاص .و لقد عنى العلماء بالتفصيل فى مسائل علاج النفوس و مداواتها فضرب الغزالى بسهم وافر فى كتابه " منهاج العابدين " و ابواب من " احياء علوم الدين " و كذا ابن حزم فى كتابيه " علل النفوس ومداواتها " و " الاخلاق و السير و اوفى على الغاية شيخا الاسلام ابن تيمية و تلميذه ابن القيم فى كتبهما النافعة لا سيما " مدارج السالكين " لابن القيم فى شرح " منازل السائرين " لأبى اسماعيل الهروى و كتاب " حادى الارواح " و" الفوائد " و غيرها و " التحفة العراقية فى الاعمال القلبية " لابن تيمية غير ذلك . و ما زال اهل العلم يضعون كتبا فى الوعظ و فى الخطابة تارة و فى تربية النفوس و رياضتها تارة اخرى و ربما جمعوا بين السير و التراجم من جهة و الدعوة الى اصلاح النفوس من جهة اخرى كما فعل ابو نعيم الاصبهانى فى كتابه " حلية الاولياء و طبقات الاصفياء " و الامام الذهبى فى " سير اعلام النبلاء " و ربما جمعوا بين السيرة النبوية و الفقه و الدعوة الى الاقتداء و التأسى كما فعل ابن القيم فى كتابه " زاد المعاد فى هدى خير العباد" . و ربما تضمنت كتب الآداب هذا المعنى ككتاب " ادب الدنيا و الدين " للماوردى و " الآداب الشرعية " لابن مفلح الحنبلى , كما صنفت كتب مبكرة فى الحسبة و احكامها و آدابها ككتابى " الامر بالمعروف و النهى عن المنكر " لابن الخلال و لابن تيمية و " معالم القربة فى احكام الحسبة " لابن الأخوة الشافعى . و قد تواكب مع هذا الاتجاه اتجاه آخر يعنى بمقارنة الأديان و الرد على المخالفين فى اصل الدين ككتاب " الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح " لابن تيمية و " هداية الحبارى " لابن القيم . الا ان نقلة نوعية ضخمة فى التصنيف فى هذا العلم قد وقعت بتنحية الشريعة و اسقاط الخلافة فى العصر الحديث و مع محاولات الدعاة و المصلحين لاستئناف الحياة الاسلامية الحقه جدت لهذا العلم مداخل و روافد عديدة وصلته بالسياسة الشرعية تارة و بالفقه و احكام النوازل تارة و بعلوم الحياة و وسائل الاتصال و التعبير تارة . و بدأ علم اصول الدعوة يتناول بهذا الاسم و تكتب فبه كتب و دراسات و تعد فى تأصيله مداخل و تدرس الدعوة من مختلف جوانبها فقها و تاريخا و منهجا و خططا و وسائل و فلا عجب ان يستفيد اللاحق من السابق فيؤصل للدعوة مناهجها و يضبط وسائلها و اهدافها و يبصرها بمواضع الزلل و مكامن الخلل و مواطن الرشد و اسباب العلاج و قديما قيل : كم ترك الأول للآخر ؟ و مما تجدر ملاحظته ان التصنيف الخاص فى الدعوة الى الله اخذ فى بادىء الامر سمة الوعظ و التذكير و المخاطبة بما يرقق القلوب و يزهد فى الدنيا و يرغب فى الاخرة حيث عرفت ابواب الرقائق فى عامة كتب الحديث كالصحاح و السنن و افردت ابواب الزهد بكتب مستقلة كالزهد للامام ابن المبارك و الزهد للامام احمد و نحو ذلك مما يشتمل على دعوة النفس و محاسبتها . ثم جاء ابن الجوزى بكتابه الوعظى " التبصرة " و قد جمعت خطبه و مجالس وعظه فى اسفار عديدة مثل " اللطف فى الوعظ " و " الشفاء فى موعظة الحكامو الخلفاء " ثم الف كتابا بعنوان " القصاص و المذكرين "ضمنه طائفة من القواعد الاساسية فى الدعوة الى الله و بيانا لكيفية الدعوة و آداب الداعى و شروطه كما ضمنه تراجم مجموعة من القصاص و المذكرين و نتفا مضيئة من جوامع الكلم و روائع البيان عن الصحابة فمن بعدهم و قد سمى ابن الجوزى هذا الفن باسماء ثلاثة : القصص و التذكير و الوعظ فلو قيل ان ابن الجوزى المتوفى عام 597 هـ رحمه الله هو واضع هذا الفن لم يكن بعيدا . على ان الوعظ و التذكير و القصص كلها تندرج تحت معنى واحد هو الدعوة الى الله بالكلام او بالخطابة و ما ورد عن السلف من ذم للقصاص فمحمول على ما لم يكن فيه علم الكتاب و السنة او ما لم يتحر اصحابه فيه الصدق و الصواب و الاخلاص .و لقد عنى العلماء بالتفصيل فى مسائل علاج النفوس و مداواتها فضرب الغزالى بسهم وافر فى كتابه " منهاج العابدين " و ابواب من " احياء علوم الدين " و كذا ابن حزم فى كتابيه " علل النفوس ومداواتها " و " الاخلاق و السير و اوفى على الغاية شيخا الاسلام ابن تيمية و تلميذه ابن القيم فى كتبهما النافعة لا سيما " مدارج السالكين " لابن القيم فى شرح " منازل السائرين " لأبى اسماعيل الهروى و كتاب " حادى الارواح " و" الفوائد " و غيرها و " التحفة العراقية فى الاعمال القلبية " لابن تيمية غير ذلك . و ما زال اهل العلم يضعون كتبا فى الوعظ و فى الخطابة تارة و فى تربية النفوس و رياضتها تارة اخرى و ربما جمعوا بين السير و التراجم من جهة و الدعوة الى اصلاح النفوس من جهة اخرى كما فعل ابو نعيم الاصبهانى فى كتابه " حلية الاولياء و طبقات الاصفياء " و الامام الذهبى فى " سير اعلام النبلاء " و ربما جمعوا بين السيرة النبوية و الفقه و الدعوة الى الاقتداء و التأسى كما فعل ابن القيم فى كتابه " زاد المعاد فى هدى خير العباد" . و ربما تضمنت كتب الآداب هذا المعنى ككتاب " ادب الدنيا و الدين " للماوردى و " الآداب الشرعية " لابن مفلح الحنبلى , كما صنفت كتب مبكرة فى الحسبة و احكامها و آدابها ككتابى " الامر بالمعروف و النهى عن المنكر " لابن الخلال و لابن تيمية و " معالم القربة فى احكام الحسبة " لابن الأخوة الشافعى . و قد تواكب مع هذا الاتجاه اتجاه آخر يعنى بمقارنة الأديان و الرد على المخالفين فى اصل الدين ككتاب " الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح " لابن تيمية و " هداية الحبارى " لابن القيم . الا ان نقلة نوعية ضخمة فى التصنيف فى هذا العلم قد وقعت بتنحية الشريعة و اسقاط الخلافة فى العصر الحديث و مع محاولات الدعاة و المصلحين لاستئناف الحياة الاسلامية الحقه جدت لهذا العلم مداخل و روافد عديدة وصلته بالسياسة الشرعية تارة و بالفقه و احكام النوازل تارة و بعلوم الحياة و وسائل الاتصال و التعبير تارة . و بدأ علم اصول الدعوة يتناول بهذا الاسم و تكتب فبه كتب و دراسات و تعد فى تأصيله مداخل و تدرس الدعوة من مختلف جوانبها فقها و تاريخا و منهجا و خططا و وسائل و اساليب كما سيلمح هذا جليا فى المجموعة المنتقاة من كتب الدعوة التى افردت بالذكر فى المبحث الاخير من هذه الرسالة .
المبحث السابع مصادر و روافد علم اصول الدعوة
ان علم اصول الدعوة يمتد ليشمل ما يحيط بتبليغ رسالة الاسلام للبشر عامة و تعليم و تربية المستجيبين كافة و تحقيق التمكين لهذا الدين خاصة فيستمد مادته من العلوم الشرعية اضافة الى ما فى الماضى و الحاضر من تجارب و دعوات و ما فى الواقع من اسباب و وسائل و محاولات و ما فى النفس البشرية من نزعات و توجهات . و الاحاطة بهذه الروافد العديدة يمكن ان يتناول على النحو التالى : • علم الايمان : فلابد للداعية ان يحيط باركان الايمان و حقيقته و مسائله و نواقضه و ما يتضمن ذلك من الرد على الملاحدة و الدهريين و غيرهم من المخالفين و ما لا يسع ان يجهله من مسائل الاعتقاد و اهم من ذلك اتقاد حرارة الايمان فى الجنان و ذلك بالعناية باعمال القلوب و بواطن العبادات . • علم الاخلاق و السلوك و التربية : الاخلاق العليا هى فراءض و فضائل فى هذا الدين الحنيف و تأتى بعد علم الايمان فالقرآن المكى ما عنى بشىء بعد العقيدة عنايته بالاخلاق فيتعين على الداعية ان يحيط علما بالاخلاق الفاضلة و ان يتحقق بها عملا و سمتا و هديا و ان يتعلم كيف يعلمها و يربى غيره على رعايتها و السلوك عليها و تزكية النفوس عن طريقها . • علم الاحكام : حيث يتناول احكام العبادات و ما لا غنى عنه من احكام المعاملات و ما لا يسع الداعى جهله من مناهج و طرائق الاستنباط و الاستدلال و قواعد الفقه و قضاياه الكلية مع الالمام التام بمحاسن انظمة الاسلام التشريعية و المالية و السياسبة و الاجتماعية . • علم السيرة و التاريخ : فسيرة النبى صلى الله عليه و سلم و الصحابة فيهما البيان لمنهجه العملى صلى الله عليه وسلم فى الدعوة الى الله فهى القدوة و فيها الاسوة و منها تؤخذ العبرة ثم ان فى تاريخ الدولة الاسلامية الراشدة من الحوادث و النوازل ما يضىء طريق اهل الدعوة فى كل زمان و مكان و يبصرهم هدى خير القرون المأمور باتباعهم . • تجارب الدعاة و تصرفات العلماء : تعد تلك التجارب و الوقائع مصدرا مهما فى اصول الدعوة حيث يقف الداعية على اجتهادات السابقين و المعاصرين من اهل الدعوة فيما طرأ من مشكلات و ما واجههم من عقبات و فتاوى اهل العلم فى ذلك و مواقف الطوائف المشتغلة بالدعوة من هذه القضايا جملة و يدخل فى هذا دراسة الواقع زمانا و مكانا و احوالا ليتمكن من ترجيح الراجح من الاقوال و تقدير المصالح و المفاسد . • علوم العصر و الوسائل المستجدة : مثل علوم الادارة و فنون الاتصال و وسائل التأثير و اساليب الخطاب المناسب لزمانها و مكانها و المقيدة –فى نفس الوقت – بقيود الشرع و ضوابطه .
المبحث الثامن نسبة علم اصول الدعوة
ان نسبة و علاقة " اصول الدعوة " بغيره من العلوم و ارتباطه بغيره من الفنون لنسبة دقيقة من حيث ان عناصر هذا العلم مشتقة من اصول علوم اسلامية مختلفة فالداعى الى الله الدارس لهذا العلم ينبغى له ان يتمكن من معرفة صحيحة بالمسائل الاعتقادية و ان يكون له المام واف بالاحكام الشرعية العملية و طرائق استباطها و اصول الاجتهاد و الفقه الدعوى اضافة الى دراسة تاريخ الدعوة و مناهجها و اساليبها و وسائلها و عقباتها و معمقاتها و ما يرتبط بالواقع من دراسات تمس هذا التخصص . فلا غنى عن اجتماع العقيدة و الشريعة و المنهج و السيرة و التاريخ و الاسلوب العلمى الامثل لتتحقق البصيرة و بذلك كله يكتمل بنيان هذا العلم . و بهذه الهيئة الاجتماعية المركبة من عناصر علوم مختلفة يغاير هذا العلم ما عداه من العلوم و الفنون و تظهر شخصيته المتميزة فلا يغنى عنها فى تخصصها الدقيق و لا تغنى عنه فى مجاله لشموله و اتساع نطاقه و تميزه بهذه الهيئة المركبة الجامعة اذ ليس هذا العلم علم شريعة او عقيدة او مجرد طريقة و اسلوب فى الدعوة او دراسة فى تاريخ و واقع و بيئة الدعوة زمانا او مكانا او معرفة بمهارات الادارة و فتوت الاتصال و انما هو ما يجتمع و يتألف من ذلك كله فهو علم ذو شخصية متميزة و على ذلك فان علاقته بغيره من العلوم هى العموم و الخصوص الوجهى فهو اعم من جهة كثرة موارده و روافده و علاقاته و اخص من جهة ميدانه الا و هو الدعوة و التربية . و تأسيسا على ما سبق فان العلاقة بين العالم المتخصص و الداعية المربى حين يمارس كل منهما التعليم و الدعوة هى العموم و الخصوص الوجهى فدائرة العالم اعم و اوسع من جهة درايته و اشتغاله بعلوم الوسائل و الالات كأصول الحديث و اصول الفقه و علوم اللغة و نحو ذلك . ودائرة الداعية اعم و اوسع من جهة درايته و اشتغاله بتاريخ و واقع الدعوات و اساليب التربية و وسائل التأثير و التعبير و طرائق الادارة و فنون الاتصال و نحو ذلك .و لا يمنع هذا التأصيل من القول بان العلماء عنوا بالدعوة و قضاياها و علومها و اسبابها كانوا اولى الناس بالدعوة و اقدر الخلق على الهداية و كانت الدعوة بهم اسعد و مسالك الاصلاح و التغيير بهم ارشد اذ العلماء الفقهاء – على التحقيق – هم الدعاة فهم فى الارض بمنزلة النجوم فى السماء بهم يهتدى الحيران فى الظلماء و حاجة الناس اليهم اعظم من حاجتهم الى الطعام و الشراب و طاعتهم افرض من طاعة الامهات و الآباء .
المبحث التاسع ثمرة اصول الدعوة ان الثمرة الاجمالية من تعلم هذا العلم هى تحقيق غايات الد | |
|