الشرك الأكبروالشرك الأصغر
للشيخ محمد العثيمين
شرح كتاب التوحيد
فالشرك الأكبر: ما يخرج الإنسان من الله.
والشرك الأصغر: ما دون ذلك.
لكن كلمة (ما دون ذلك) ليس ميزاناً واضحاً. ولذلك اختلف العلماء في ضابط الشرك الأصغر على قولين:
القول الأول: أن الشرك الأصغر كل شيء أطلق الشارع عليه أنه شرك ودلت النصوص على أنه ليس من الأكبر، مثل: "من حلف بغير الله، فقد أشرك"(1)، فالشرك هنا اصغر، لأنه دلت النصوص على أن مجرد الحلف بغير الله لا يخرج من الملة.
القول الثاني: أن
الشرك الأصغر: ما كان وسيلة للأكبر، وإن لم يطلق الشرع عليه اسم الشرك،
مثل: أن يعتمد الإنسان شيء كاعتماده على الله، لكنه لم يتخذه إلهاً، فهذا
شرك أصغر، لأن هذا الاعتماد الذي يكون كاعتماده على الله يؤدي به في
النهاية إلى الشرك الأكبر، وهذا التعريف أوسع من الأول، لأن الأول يمنع أن
تطلق على شيء أنه شرك إلا إذا كان لديك دليل، والثاني يجعل كل ما كان
وسيلة للشرك فهو شرك، وربما نقول على هذا التعريف: إن المعاصي كلها شرك
أصغر، لأن الحامل عليها الهوى، وقد قال تعالى: )أفرأيت من اتخذ من إلهه هواه وأضله الله على علم( [الجاثية: 23]، ولهذا أطلق النبي r الشرك على تارك الصلاة، مع أنه لم يشرك، فقال: "بين الرجل وبين الشرك والكفر: ترك الصلاة"(2).
فالحاصل أن المؤلف رحمه الله يقولك إن الشرك فيه أكبر وأصغر، لأنهم لم يرتدوا بهذا، وسبق وجه ذلك.
الجلي
والخفي، فبعضهم قال: إن الجلي والخفي هو الأكبر والأصغر، وبعضهم قال:
الجلي ما ظهر للناس من أصغر أو أكبر، كالحلف بغير الله، والسجود للصنم.
والخفي: ما لا يعلمه الناس من أصغر أو أكبر، كالرياء، واعتقاد أن مع الله إلهاً آخر.
وقد يقال: إن الجلي ما انجلى أمره وظهر كونه شركاً، ولو كان أصغر، والخفي: ما سوى ذلك.
وأيهما الذي لا يغفر؟
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إن الشرك لا يغفره الله لو كان أصغر، لعموم قوله: )إن الله لا يغفر أن يشرك به( [النساء: 116]، و)أن يشرك به( مؤول بمصدر تقديره: شركاً به، وهو نكر في سياق النفي، فيفيد العموم.
وقال بعض العلماء: إن الشرك الأصغر داخل تحت المشيئة، وإن المراد بقوله: )إن يشرك به(
الشرك الأكبر، وأما الشرك الأصغر، فإنه يغفر لأنه لا يخرج من الملة، وكل
ذنب لا يخرج من الملة، فإنه تحت المشيئة، وعلى كل، فصاحب الشرك الأصغر على
خطر، وهو أكبر من كبائر الذنوب، قال ابن مسعود رضي الله عنه: "لأن أحلف
بالله كاذباً أحب إلى من أن أحلف بغيره صادقاً"(1).
(1)
مسند الإمام أحمد (2/125)، وسنن أبي داود: كتاب الإيمان/ باب من كراهية
الحلف بالآباء - وسكت عنه ـ، والترمذي: النذور/ باب كراهية الحلف بغير
الله تعالى - وحسنه -.
(2) مسلم: كتاب الإيمان/ باب بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة.