بِـسْـمِ اللَّهِ الـرَّحْـمَـنِ الـرَّحِـيـمِ
الـسَّلَـامُ عَـلَـيْـكُـمْ وَرَحْـمَـةُ اللَّهِ وَبَـرَكَـاتُـهُ
إِنَ
الحَمدَ لله نَحْمَدَه وُنَسْتعِينَ بهْ ونَسْتغفرَه ، ونَعوُذُ بالله
مِنْ شِروُر أنْفْسِنا ومِن سَيئاتِ أعْمَالِنا ، مَنْ يُهدِه الله فلا
مُضِل لَه ، ومَنْ يُضلِل فَلا هَادى له ، وأشهَدُ أنَ لا إله إلا الله
وَحْده لا شريك له ، وأشهد أن مُحَمَداً عَبدُه وَرَسُوُله .. اللهم صَلِّ
وسَلِم وبَارِك عَلى عَبدِك ورَسُولك مُحَمَد وعَلى آله وصَحْبِه
أجْمَعينْ ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحْسَان إلى يَوُمِ الدِينْ وسَلِم
تسْليمَاً كَثيراً .. أمْا بَعد ...
خرافات أم عبادات
في إحدى السنوات تراءى الناس الهلال – هلال رمضان – فلم يروه , فجاء
رجل إلى قاضي البلد يقول له : لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في
المنام , و أخبرني أن الليلة من رمضان و أمرني والمسلمين بالصيام !
فقال له القاضي: إن الذي تزعم أنك رأيته
في المنام … قد رآه الناس في اليقظة جهارا نهارا , وقال لهم : صوموا
لرؤيته وأفطروا لرؤيته ..! فلا حاجة بنا إلى رؤياك !
شاع في أوساط الفتيات قبل فترة وجيزة رؤيا خلاصتها أن فتاة رأت رسول
الله صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم في المنام وقال لها : إن الساعة
سوف تقوم قريبا , وعلامة ذلك أن تفتحي مصحفا قديما فتجدي فيه شعرة أو ورقة
ممسوحة !… و كان أثر الرؤيا
المختلقة أبلغ عند الجهلة من قوله تعالى : ﴿ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا ﴾ وبعدها تحدثت في إحدى الكليات , فبعثت إحدى الأخوات بورقة مرفقة مكتوب فيها القصة التالية:
مرضت فتاة مرضا شديدا أعيى الأطباء وفي ذات ليلة بكت حتى جاءها النوم
وهي على تلك الحال , فرأت أم المؤمنين زينب ! فوضعت في فمها شيئا من
القطران , وطلبت منها أن تكتب هذه الرواية (13) مرة , وتطلب من الناس أن
يكتبوها , فلما استيقظت الفتاة وجدت نفسها قد شفيت من المرض تماما , وقامت
بكتابة الورقة ثلاث عشرة مرة ووزعتها, فحدث التالي :
· أول ورقة وقعت في يد رجل فقير فكتبها ثلاث عشرة مرة ووزعها فجاءته أموال طائلة بعد ثلاثة عشر يوما .
· و الورقة الثانية وقعت في يد غني فمزقها فذهبت أمواله كلها بعد ثلاثة عشر يوما !!
· و الورقة الثالثة وقعت في يد رجل على رأس عمل كبير فسخر منها ففصل من العمل بعد ثلاثة عشر يوما !.
تقول الرواية : فعليك أخي المسلم أختي المسلمة أن تقوموا بكتابة هذه الورقة وتوزيعها لتنالوا من الله كل ما تحبون في إرادته .
و ذكرتني هذه الخرافة السخيفة بخرافة { وصية الشيخ أحمد } التي تعاود الظهور مرة بعد مرة أخرى بصورة تؤكد أن وراء الأمر شيئا !
كما ذكرتني بمقال كنت قرأته في بعض مجلاتنا – مع الأسف – عن { لعنة الفراعنة } والتي يزعمون أنها تلاحق كل من ينال من الفراعنة ومقابرهم بسوء.
فهذا ركل جمجمة أحدهم فانكسرت رجله , والذي اكتشف إحدى المقابر سقطت به
الطائرة , وفي الليلة التي اكتشفت فيها المقبرة انطفأ التيار الكهربائي عن
القاهرة … إلخ !!
إنه نوع من « الإرهاب الفكري » المدمر .
لا تستخدم عقلك ولا تناقش لئلا يصيبك ما أصاب هؤلاء و احذر أن تمزق تلك الورقة « الأسطورة » لئلا تفقد عملك أو تفقد مالك … وربما تفقد دينك – هكذا يزعمون.
إن الوحي قد انتهى فلا يتنـزل على أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم
الله عليه وسلم و مع ذلك فإن من المسلمين من يشرعون تشريعات جديدة لم ترد
في الوحي ويحذرون من يخالفها بالعقاب والعذاب , ويبشرون من يفعلها
بالتوفيق .. فكيف تنطلي هذه الألاعيب السخيفة على مسلم قرأ في التنـزيل: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾
إننا نعلم يقينا أن الإنسان قد يترك أعظم شعائر الدين العملية – وهي
الصلاة – و مع ذلك يظل مرزوقا معافى في دنياه , لأن الدنيا ليست دار جزاء
ولا حساب , والأصل أن الجزاء والحساب في الآخرة , بل نجد قوما كفارا لا
يؤمنون بالله ولا يؤمنون باليوم الآخر ومع ذلك وسع الله عليهم في الرزق ,
و أعطاهم من العلم المادي والحضارة المادية ما لم يعطه غيرهم .. فالدنيا
دار بلاء وليس دارجزاء.
فكيف يأتي من يستخف بعقول بعضنا و يزعم أن من لم يفعل كذا أصابه بعد أيام معدودة ما يكره , ومن فعله لقي ما يحب.
و هذا الفعل المطلوب ليس واجبا ولا مستحبا … بل ولا مباحا , إنما هو بدعة منكرة و خرافة غليظة .
ثم لنتساءل : هل هذه الكتابة « عبادة » أم أنها عمل دنيوي محض ؟
فإذا كانت عبادة فهي مردودة لأن الإنسان أراد بها الدنيا و حفظ المال و الوظيفة والصحة , والله تعالى يقول :﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ .. فهو عمل حابط باطل جزاؤه النار.
و إذا كانت عملا دنيويا فهي أيضا مرفوضة , لأنها ليست من الأسباب
المادية , والذي يريد المحافظة على الوظيفة عليه ألا يتأخر عن وقت الدوام
, وأن يؤدي مسؤولياته , و أن يحسن استقبال المراجعين , ويبني علاقته مع
رؤسائه على أساس صحيح . و هكذا حفظ المال والصحة و غيرها له أسبابه
المادية المعروفة , وليس هذا العمل منها بحال.
ثم لماذا رقم (13) ؟
إن لم أخطئ فإن الإنجليز يتشاءمون من هذا الرقم : فهل لهذه الرواية
المختلقة الموضوعة علاقة بذلك ؟ لقد جاء في الشرع : الذكر مرة واحدة وثلاث
مرات , وسبع مرات وعشر مرات , و مائة مرة , أما ثلاث عشرة مرة فليس لذلك
نظير في الشرع مطلقا.
و أخيرا : من الذي يروي هذه الأكذوبة الملفقة المخترعة ؟
فتاة مريضة ؟ ومن هي ؟ ومن يقول بأنها صادقة ؟ ومن يروي عن هذه الفتاة؟
إنها رواية مسلسلة بالمجهولين و الكذابين و الأفاكين , وهؤلاء لا تقبل
شهادتهم على بصلة فما دونها فكيف تقبل روايتهم في أمر كهذا؟
و حتى لو كان الرواة من أساطين الثقات فإنهم إذا حدثوا بمثل هذا الكذب
البواح سقطت عدالتهم , وذهبت الثقة بهم , وتُركوا , ووجب ردعهم وتعزيرهم ,
ومنعهم من التغرير بعقول السذج و البله , والله المستعان , و أنى لأساطين
الثقات أن يحدثوا بمثل هذا ؟
الشيخ/ سلمان بن فهد العودة