د . أحمد بن صالح بن إبراهيم الطويان
يتطلع
العالم اليوم إلى نظام يحفظ الحقوق وينشر السلم ويحقن الدماء ويحفظ
الأعراض والأموال ويتنادى قادة العالم إلى السلم والمسالمة ويقدموا للعالم
صورة السلم التي يريدونها وهي الاستسلام والإذلال والقهر والاستبداد .
ويتناسى
المسلمون دينهم وشريعة ربهم التي هي النظام الكامل والحياة المطمئنة
والسعادة الأبدية دين حفظ الحقوق وحفظ الأعراض والأموال والدماء ( كل
المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه ) .
دين قام على العدل والإنصاف حتى مع المخالفين ( ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى ) .
دين لا يرضى الله من عبادة سواه ( ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه ) .
دين
جهله أبناؤه وتسلط عليه أعداؤه .. دين شمل نواحي الحياة كلها ونظم علاقات
البشر بعضهم ببعض فلا بغي ولا ظلم ولا اعتداء دين جاء رحمة للعالمين وحجة
على الخلق أجمعين .
فهل قدّم المسلمون دينهم لإنقاذ العالم من الظلم والعدوان كما قدمه رسول الله صلى الله عليه وسلم اسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين .
وكما
قدّمه الصحابة والتابعون ( جئنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة
رب العباد ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة
) هكذا كان منطقهم اعتزاز بالدين وصدق انتماء إليه وثقة به .
هل
كان المسلمون صورة حسنة للإسلام .. هل المسلمون يمثلون حقيقة الإسلام
الحقيقية أم أنهم بالانتساب .. هل المسلمون يرون العزة بدينهم كما كان
يراها من قبلهم ( نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة من
غيره أذلنا الله ) .
هل
قدّم المسلمون للعالم رحمة الإسلام وعدله ووسطيته .. هل المسلمون قدموا
دعوة الإسلام بلغات العالم وقاموا بدورهم لإظهار دينهم والاعتزاز به .
إن
العالم اليوم يلهث عطشاً يبحث عن معين صافي يجد فيه الأمن والاستقرار قد
أثخنته جراح الظلم والقهر والاستبداد يتطلع للعدل والإنصاف .
ولن يجد العالم إلا الإسلام نظاماً فيه صلاح البشرية واستقرارها .
ولن
يجد المسلمون نظاماً إلا الالتزام بالكتاب والسنة وتحكيمها فيما بينهم
لتصلح أحوالهم وتستقر شعوبهم فدينهم الذي زهد فيه بعضهم هو الخير والفلاح
في الدنيا والآخرة .
وها هي الدول غير المسلمة تقتبس من أحكامه ما تحكم به شعوبها وتحفظ به حقوقهم .
فهل
يعي المسلمون اليوم دورهم في حمل رسالة الإسلام الخالدة لتقديمها للعالم
المتعطش الذي جر ب ألواناً من الأنظمة والقوانين فلم يجد فيها إلا الشقاء
والعناء والاضطهاد .
أيها الأخوة
إن
العالم اليوم يمثل ذلك العالم الذي بعث فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم
وما فيه من الكفر والظلم والبغي والقهر والشرك والوثنية إلا بقايا من أهل
الكتاب ومن هم على الحنفية ملة إبراهيم عليه السلام مع الفارق في وجود أمة
الإسلام اليوم .
فغيّر
الإسلام بدعوة محمد صلى الله عليه وسلم وجه الأرض وقلوب البشر حتى عمَّ
الإسلام أرجاء الأرض بعدله ونظامه الذي سعدت به البشرية قرونا من الزمن .
والمسلمون اليوم يمتلكون من الثروات والموارد ما يستطيعون به نشر دعوة الإسلام .
ونحن
ننظر كيف شوهت صورة الإسلام بأيدي الأعداء الأبناء ولكن لا تزال فئات من
البشر تتطلع لمعرفة المزيد عن الإسلام فلم تجد جواباً شافياً كافياً .
أيها الأخوة
قد
يتساءل البعض ما هو الدور الذي يمكن أن أقوم به تجاه ديني وأمتي فنقول
الدور الحقيقي الذي يجب أن تقوم به أن تكون صورة حسنة للإسلام تدعو
للإسلام بأفعالك قبل أقوالك وبمعاملاتك قبل كلماتك .
وأن
تنصف الآخرين منك لتظهر عدل الإسلام وأن تظهر الشفقة والرحمة لغير المسلم
فيدعوك ذلك إلى دعوته إلى الإسلام والحرص على هدايته للدين القويم كما كان
نبيك محمد صلى الله عليه وسلم ( لعلك باخع نفسك على ألا يكونوا مؤمنين ) .
وأتى
النبي صلى الله عليه وسلم عمه وهو في سياق الموت يدعوه للإسلام ، وأتى
الغلام اليهودي وهو في سياق الموت يدعوه للإسلام فأسلم ففرح النبي بإسلامه
.
فالمسلم
يفرح بدلالة الآخرين للإسلام ويحزن لكفرهم وإعراضهم فيحمل الهم لدعوتهم ،
ومع توفر وسائل الاتصال تيسرت وسائل الدعوة إلى الله فلماذا المسلمون لا
يستغلون ذلك فيكون المسلم داعية وهو في بيته يدعوا مَنْ هو في مشارق الأرض
ومغاربها .
ويعد المسلم أبناءه دعاة للإسلام ويغرس فيهم الاعتزاز بالدين والاستقامة عليه ومن رزقه الله مالاً وجاهاً فيهلكه في الدعوة البيان .
فلقد كان النبي الكريم صلوات ربي وسلامه عليه يعطي الأموال الطائلة ليتآلف الناس على الإسلام وليرغبهم فيه .
وإنك
لتعجب من تقصير كثير من المسلمين في مجال الدعوة فتجد أن لديه في عمله أو
تحت أمره من غير المسلمين فلم يفكر في دعوتهم ولم يبذل الجهود في ذلك بل
تجد بعضهم يعيش السنوات الطويلة في بلاد المسلمين ولا يجد من يدعوه ويبين
له الحق .. أليس هذا تقصير وتفريط .
فتلك لبنات في الدعوة العالمية للإسلام ، فمن يُسلم على يديك سيكون داعية إلى الله بل قد يكون أشد حماساً وتفاعلاً منك .
فما عليك أخي المسلم إلا أن تحمل همّ هذا الدين وتبليغه بالطرق المسيرة .
فلو قام مليار مسلم بهذا الدور لتغير الواقع ولكنها الاتكالية والانهزامية واليأس والقنوط من الواقع .
وسؤال آخر ما دور العلماء والدعاة في الدعوة وحمل رسالة الإسلام وما هو دور الإعلام المسلم.
إنك
لتستحي مما تبثه قنوات المسلمين من شر وفتنة ودعوة للانحلال وما تقيئه
المواقع من شر وشبهة ولغو وباطل فلماذا لا تُسخر تلك الجهود والأموال
والإمكانيات للدعوة للإسلام والتعريف به .
لقد
كان النبي صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على القبائل في مواسم الحج يعرض
عليهم الإسلام وخرج للطائف وكتب إلى الملوك والرؤساء يدعوهم للإسلام .
ونحن بأيدينا اليوم ما نستطيع به أن ندخل بيوتهم وقلوبهم فلم نفعل إلا القليل .
وإنك
لترى الإقبال الكبير على جهود فردية سواء كان ذلك على المواقع على الشبكة
العالمية أو غيرها من الوسائل وترى كيف ذلك الكم التعطش لمعرفة الإسلام
والمسلمون منشغلون عن دينهم والبعض يتباكى على واقع المسلمين ولم يقدم
شيئا .
أيها الأخوة
إن أعظم سلاح نقاوم فيه ظلم المتسلطين على الإسلام والمسلمين الدعوة إلى الله عز وجل نشر دين الإسلام .
وإظهار صورة الإسلام المشرقة وإبراز محاسن الدين الإسلامي ، فتلك أعظم قوة نواجه فيها الأعداء .
وإن
التسلح بالعلم والدعوة هو أول سلاح رفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم في
مكة فمكث ثلاثة عشر سنة يحمل ذلك السلاح ويحمل معه حمل همّ هذا الدين
وتبليغه والصبر على الأذى في طريق الدعوة ، والحرص على هداية الناس ،
والفرح بإسلامهم والحزن على ضلالهم .
بذلك كسب القلوب وانشرحت الصدور ، ودخل الناس في دين الله أفواجا .
وبعد
صلح الحديبية لما أمن الناس وانتشرت الدعوة سمع الناس عن الإسلام وتناقلوا
الدعوة للإسلام دخل الإسلام في سنتين أكثر مما دخله في عشرين سنة وسماه
الله فتحاً مبيناً .
مع ما في ظاهر الصلح من الحيف على المسلمين إلا أن الله جعل فيه الخير لأمة الإسلام .
فالمسلم يتطلع في هذا الوقت للدعوة لأنها سبيل لإصلاح العالم وفتح عظيم للمسلمين .
ويصدق
خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ليبلغن هذا الدين ما بلغ الليل
والنهار بعز عزيز أو بذل ذليل عزاً يعز الله به الإسلام وأهله وذلاً يذل
الله به الكفر وأهله ) .
د.أحمد بن صالح الطويان