قال
الشيخ الإمام العلامة شمس الدين محمد بن أبي بكر المعروف بابن قيم الجوزية
الحنبلي الدمشقي، تغمده الله تعالى برحمته وأسكنه فسيح جناته:
- سئلت عن حديث صلاة بسواك أفضل من سبعين صلاة بغير سواك؟ وكيف يكون هذا التضعيف ؟
- وكذلك قوله صلي الله عليه وسلم في حديث جويرية " لقد قلت بعدك أربع كلمات لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن ؟
- وحديث صيام ثلاثة أيام من كل شهر يقوم مقام صيام الشهر؟
- وحديث "من دخل السوق فقال لا إله إلا الله .. " الحديث؟
فهذا السؤال اشتمل على أربع مسائل :
المسألة الأولى :
تفضيل الصلاة بالسواك على سبعين صلاة بغيره :
فهذا
الحديث قد روي عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو
حديث لم يرد في الصحيحين ولا في الكتب الستة ولكن رواه الإمام أحمد وابن
خزيمة والحاكم في صحيحهما والبزار في مسنده وقال البيهقي إسناده غير قوي.
وإن
ثبت فله وجه حسن، وهو أن الصلاة بالسواك سنة والسواك مرضاة للرب. وقد أكد
النبي صلى الله عليه وسلم شأنه وقال "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم
بالسواك عند كل صلاة". وأخبر أنه مطهرة للفم مرضاة للرب.
وقال صلى الله عليه وسلم "أكثرت عليكم في السواك" رواه البخاري.
وفي مسند أحمد عن التميمي قال سألت ابن عباس عن السواك فقال ما زال النبي صلى الله عليه وسلم يأمرنا به حتى خشينا أن ينزل عليه فيه.
وفي لفظ "أمرت بالسواك حتى خشيت أن ينزل علي به وحي".
وقال
ابن عباس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما لي أراكم تأتوني قلحا
استاكوا لولا أن أشق على أمتي لفرضت عليهم السواك كما فرضت عليهم الوضوء".
وقال "عشر من الفطرة قص الشارب وإعفاء اللحية والسواك.." الحديث. فجعل السواك من الفطرة.
وقال
عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر
بالوضوء لكل صلاة طاهرا وغير طاهر فلما شق ذلك عليه أمر بالسواك لكل صلاة.
وعن
علي قال أمرنا بالسواك وقال إن العبد إذا قام يصلي أتاه الملك فقام خلفه
يستمع القرآن ويدنو فلا يزال يستمع ويدنو حتى يضع فاه على فيه فلا يقرأ
آية إلا كانت في جوف الملك.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم من رغبته في السواك يستاك إذا قام من نوم الليل وإذا دخل بيته وإذا صلى.
واستاك عند موته وهو في السياق.
وقال
سفيان عن محمد بن إسحاق عن أبي جعفر عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما
قال كان السواك من أذن النبي صلى الله عليه وسلم موضع القلم من أذن الكاتب.
وفي
سنن النسائي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال كان رسول الله صلي الله
عليه وسلم يصلي ركعتين ركعتين ثم ينصرف فيستاك، وهذا في صلاة الليل.
ولما
بات ابن عباس عند خالته ميمونة قال فقام صلى الله عليه وسلم فتوضأ وصلى
ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين.. الحديث. وكان يستاك لكل ركعتين.
وفي
جامع الترمذي عن أبي سلمة قال كان زيد بن خالد الجهني يشهد الصلوات في
المسجد وسواكه على أذنه موضع القلم من أذن الكاتب لا يقوم إلى الصلاة إلا
استن وهو حديث حسن صحيح.
وفي الموطأ عن ابن شهاب الزهري عن ابن السباق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "عليكم بالسواك".
وقد
روى أبو نعيم من حديث عبد الله بن عمرو بن حلحلة ورافع بن خديج قالا قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم "السواك واجب وغسل الجمعة واجب على كل
مسلم".
ويشهد
لهذا الحديث ما رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "غسل يوم الجمعة على كل محتلم وسواك
ويمس من الطيب ما قدر عليه". وإذا كان هذا شأن السواك وفضله وحصول رضا
الرب به
وإكثار
النبي صلى الله عليه وسلم على الأمة فيه ومبالغته فيه حتى عند وفاته وقبض
نفسه الكريمة صلى الله عليه وسلم، لم يمتنع أن تكون الصلاة التي يستاك لها
أحب إلى الله من سبعين صلاة . وإذا كان ثواب السبعين أكثر فلا يلزم من
كثرة الثواب أن يكون العمل الأكثر ثوابا أحب إلى الله تعالى من العمل الذي
هو أقل منه، بل قد يكون العمل الأقل أحب إلى الله تعالى وإن كان الكثير
أكثر ثوابا.
وهذا
كما في المسند عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال "دم عفراء أحب إلى الله من
دم سوداوين"، يعني في الأضحية. وكذلك ذبح الشاة الواحدة يوم النحر أحب إلى
الله من الصدقة بأضعاف أضعاف ثمنها وإن كثر ثواب الصدقة.
وكذلك
قراءة سورة بتدبر ومعرفة وتفهم وجمع القلب عليها أحب إلى الله تعالى من
قراءة ختمة سردا وهذا وإن كثر ثواب هذه القراءة وكذلك صلاة ركعتين يقبل
العبد فيهما على الله تعالى بقلبه وجوارحه ويفرغ قلبه كله لله فيهما أحب
إلى الله تعالى من مئتي ركعة خالية من ذلك وإن كثر ثوابهما عددا.
ومن هذا سبق درهم مئة ألف درهم.
ولهذا قال الصحابة رضي الله عنهم إن اقتصادا في سبيل وسنة خير من اجتهاد في خلاف سبيل وبدعة.
فالعمل اليسير الموافق لمرضاة الرب وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم أحب إلى الله تعالى من العمل الكثير إذا خلا عن ذلك أو عن بعضه.
ولهذا قال الله تعالى :"الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا ".
وقال: "إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا ".
وقال : "وهو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملا ".
فهو
سبحانه وتعالى إنما خلق السموات والأرض والموت والحياة وزين الأرض بما
عليها ليبلو عبادة أيهم أحسن عملا، لا أكثر عملا والعمل الأحسن هو الأخلص
والأصوب، وهو الموافق لمرضاته ومحبته دون الأكثر الخالي من ذلك.
فهو سبحانه وتعالى يحب أن يتعبد له بالأَرضَى له وإن كان قليلا دون الأكثر الذي لا يرضيه والأكثر الذي غيره أرضى له منه.
ولهذا يكون العملان في الصورة واحدا وبينهما في الفضل بل بين قليل أحدهما وكثير الآخر في الفضل أعظم مما بين السماء والأرض.
وهذا الفضل يكون بحسب رضا الرب سبحانه بالعمل وقبوله له ومحبته له وفرحه به سبحانه وتعالى.
كما
يفرح بتوبة التائب أعظم فرح ولا ريب أن تلك التوبة الصادقة أفضل وأحب إلى
الله تعالى من أعمال كثير من التطوعات وإن زادت في الكثرة على التوبة.
ولهذا كان القبول مختلفا ومتفاوتا بحسب رضا الرب سبحانه بالعمل.
فيا
لله كم بعد ما بين الصدقتين في الفضل ومحبة الله وقبوله ورضاه وقد قبل
سبحانه هذه وهذه لكن قبول الرضا والمحبة والاعتداد والمباهاة شيء وقبول
الثواب والجزاء شيء.
وأنت
تجد هذا في الشاهد في ملك تهدى إليه هدية صغيرة المقدار لكنه يحبها
ويرضاها فيظهرها لخواصه وحواشيه ويثني على مهديها في كلمات كهدية كثيرة
العدد والقدر جدا لا تقع عنده موقعا ولكن يكون في جودة لا يضيع ثواب
مهديها بل يعطيه عليها أضعافها وأضعاف أضعافها فليس قبوله لهذه الهدية مثل
قبوله للأولى.
ولهذا
قال ابن عمر أو غيره من الصحابة رضي الله عنهم لو أعلم أن الله يتقبل مني
سجدة واحدة لم يكن غائب أحب إلي من الموت إنما يريد به القبول الخاص وإلا
فقبول العطاء والجزاء حاصل لأكثر الأعمال.
والقبول له أنواع :
قبول رضا ومحبة واعتداد ومباهاة وثناء على العامل به بين الملأ الأعلى.
وقبول جزاء وثواب وإن لم يقع موقع الأول.
وقبول
إسقاط للعقاب فقط وإن لم يترتب عليه ثواب وجزاء كقبول صلاة من لم يحضر
قلبه في شيء منها فإنه ليس له من صلاته إلا ما عقل منها فإنها تسقط الفرض
ولا يثاب عليها وكذلك صلاة الآبق وصلاة من أتى عرافا فصدقه فإن البعض قد
حقق أن صلاة هؤلاء لا تقبل. ومع هذا فلا يؤمرون بالإعادة يعني أن عدم قبول
صلاتهم إنما هو في حصول الثواب لا في سقوطها من ذمتهم.
والأعمال
تتفاضل بتفاضل ما في القلوب من الإيمان والمحبة والتعظيم والإجلال وقصد
وجه المعبود وحده دون شيء من الحظوظ سواه. حتى لتكون صورة العملين واحدة
وبينهما في الفضل ما لا يحصيه إلا الله تعالى وتتفاضل.
أيضا
بتجريد المتابعة فبين العملين من الفضل بحسب ما يتفاضلان به في المتابعة
فتتفاضل الأعمال بحسب تجريد الإخلاص والمتابعة تفاضلا لا يحصيه إلا الله
تعالى.
وينضاف هذا إلى كون أحد العملين أحب إلى الله في نفسه.
مثاله، الجهاد وبذل النفس لله تعالى هو من أحب الأعمال إلى الله تعالى ويقترن بتجريد الإخلاص والمتابعة.
وكذلك
الصلاة والعلم وقراءة القرآن إذا فضل العلم في نفسه وفضل قصد صاحبه
وإخلاصه وتجردت متابعته لم يمتنع أن يكون العمل الواحد أفضل من سبعين بل
وسبع مئة من نوعه.
فتأمل
هذا فإنه يزيل عنك إشكالات كثيرة ويطلعك على سر العمل والفضل وأن الله
سبحانه وتعالى أحكم الحاكمين يضع فضله مواضعه وهو أعلم بالشاكرين.
ولا
تلتفت إلى ما يقوله من غلظ حجاب قلبه من المتكلمين والمتكلفين إنه يجوز أن
يكون العملان متساويين من جميع الوجوه لا تفاضل بينهما ويثيب الله على
أحدهما أضعاف أضعاف ما يثيب على الآخر.
بل
يجوز أن يثيب على هذا ويعاقب على هذا مع فرض الإستواء بينهما من كل وجه،
وهذا قول من ليس له فقه في أسماء الرب وصفاته وأفعاله ولا فقه في شرعه
وأمره ولا فقه في أعمال القلوب وحقائق الإيمان بالله وبالله التوفيق.
إذا
عرفت ذلك فلا يمتنع أن تكون الصلاة التي فعلها فاعلها على وجه الكمال حتى
أتى بسواكها الذي هو مطهرة لمجاري القرآن وذكر الله ومرضاة للرب واتباع
للسنة والحرص على حفظ هذه الحرمة الواحدة التي أكثر النفوس تهملها ولا
تلتفت إليها حتى كأنها غير مشروعة ولا محبوبة. لكن هذا المصلي اعتدها
فحافظ عليها وأتى بها توددا وتحببا إلى الله تعالى واتباعا لسنة رسول الله
صلى الله عليه وسلم فلا يبعد أن تكون صلاة هذا أحب إلى الله من سبعين صلاة
تجردت عن ذلك والله أعلم.
وأما المسألة الثانية:
وهي تفضيل سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته على مجرد الذكر بسبحان الله أضعافا مضاعفة.
فإن
ما يقوم بقلب الذاكر حين يقول سبحان الله وبحمده عدد خلقه من معرفته
وتنزيهه وتعظيمه من هذا القدر المذكور من العدد أعظم مما يقوم بقلب القائل
سبحان الله فقط.
وهذا
يسمى الذكر المضاعف وهو أعظم ثناء من الذكر المفرد فلهذا كان أفضل منه
وهذا إنما يظهر في معرفة هذا الذكر وفهمه فإن قول المسبح سبحان الله
وبحمده عدد خلقه يتضمن إنشاء وإخبارا عما يستحقه الرب من التسبيح عدد كل
مخلوق كان أو هو كائن إلى ما لا نهاية له، فتضمن الإخبار عن تنزيهه الرب
وتعظيمه والثناء عليه هذا العدد العظيم الذي لا يبلغه العادون ولا يحصيه
المحصون.
وتضمن
إنشاء العبد لتسبيح هذا شأنه لا أن ما أتى به العبد من التسبيح هذا قدره
وعدده. بل أخبر أن ما يستحقة الرب سبحانه وتعالى من التسبيح هو تسبيح يبلغ
هذا العدد الذي لو كان في العدد ما يزيد لذكره فإن تجدد المخلوقات لا
ينتهي عددا ولا يحصى الحاضر.
وكذلك قوله ورضا نفسه فهو يتضمن أمرين عظيمين :
أحدهما:
أن
يكون المراد تسبيحا هو والعظمة والجلال سيان ولرضا نفسه كما أنه في الأول
مخبر عن تسبيح مساو لعدد خلقه. ولا ريب أن رضا نفس الرب لا نهاية له في
العظمة والوصف والتسبيح ثناء عليه سبحانه يتضمن التعظيم والتنزيه. فإذا
كانت أوصاف كماله ونعوت جلاله لا نهاية لها ولا غاية بل هي أعظم من ذلك
وأجل كان الثناء عليه بها كذلك إذ هو تابع لها إخبارا وإنشاء وهذا المعنى
ينتظم المعنى الأول من غير عكس، وإذا كان إحسانه سبحانه وثوابه وبركته
وخيره لا منتهى له وهو من موجبات رضاه وثمرته فكيف بصفة الرضا.
وفي الأثر إذا باركت لم يكن لبركتي منتهى فكيف بالصفة التي صدرت عنها البركة.
والرضا يستلزم المحبة والإحسان والجود والبر والعفو والصفح والمغفرة.
والخلق يستلزم العلم والقدرة والإرادة والحياة والحكمة وكل ذلك داخل في رضا نفسه وصفة خلقه.
وقوله
وزنة عرشه فيه إثبات للعرش وإضافته إلى الرب سبحانه وتعالى وأنه أثقل
المخلوقات على الإطلاق إذ لو كان شيء أثقل منه لوزن به التسبيح. وهذا يرد
على من يقول إن العرش ليس بثقيل ولا خفيف وهذا لم يعرف العرش ولا قدره حق
قدره.
فالتضعيف الأول: للعدد والكمية.
والثاني: للصفة والكيفية.
والثالث: للعظم والثقل وليس للمقدار.
وقوله ومداد كلماته هذا يعم الأقسام الثلاثة ويشملها، فإن مداد كلماته سبحانه وتعالى لا نهاية لقدره ولا لصفته ولا لعدده.
قال تعالى: "قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا ".
وقال تعالى: "ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم ".
ومعنى
هذا أنه لو فرض البحر مدادا وبعده سبعة أبحر تمده كلها مدادا وجميع أشجار
الأرض أقلاما وهو ما قام منها على ساق من النبات والأشجار المثمرة وغير
المثمرة وتستمد بذلك المداد لفنيت البحار والأقلام وكلمات الرب لا تفنى
ولا تنفد فسبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته.
فأين
هذا من وصف من يصفه بأنه ما تكلم ولا يتكلم ولا يقوم به كلام أصلا وقول من
وصف كلامه بأنه معنى واحد لا ينقضي ولا يتجزأ ولا له بعض ولا كل ولا هو
سور وآيات ولا حروف وكلمات. والمقصود أن في هذا التسبيح من صفات الكمال
ونعوت الجلال ما يوجب أن يكون أفضل من غيره وأنه لو وزن غيره به لوزنه
وزاد عليه.
وهذا بعض ما في هذه الكلمات من المعرفة بالله والثناء عليه بالتنزيه والتعظيم مع اقترانه بالحمد المتضمن لثلاثة أصول :
أحدها: إثبات صفات الكمال له سبحانه والثناء عليه.
الثاني: محبته والرضا به.
الثالث:
فإذا انضاف هذا الحمد إلى التسبيح والتنزيه على أكمل الوجوه وأعظمها قدرا
وأكثرها عددا وأجزلها وصفا واستحضر العبد ذلك عند التسبيح وقام بقلبه
معناه كان له من المزية والفضل ما ليس لغيره وبالله التوفيق.
وأما المسألة الثالثة :
وهي
كون صيام ثلاثة أيام من كل شهر تعدل صيام الشهر فقد ذكر في هذا الحديث
سببه، وهو أن الحسنة بعشر أمثالها فهو يعدل صيام الشهر غير مضاعف لثواب
الحسنة بعشر أمثالها فإذا صام ثلاثة أيام من كل شهر وحافظ على ذلك فكأنه
صام الدهر كله.
ونظير هذا قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح "من صام رمضان وأتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر فإن الحسنة بعشر أمثالها".
وفي
كونها من شوال سر لطيف، وهو أنها تجري مجرى الجهران لرمضان وتقضي ما وقع
فيه من التقصير في الصوم فتجري مجرى سنة الصلاة بعدها ومجرى سجدتي السهو
ولهذا قال وأتبعه أي ألحقها به.
وقد
استدل بهذا من يستحب أو يجوز صيام الدهر كله ما عدا العيدين وأيام التشريق
ولا حجة له بل هو حجة عليه فإنه لا يلزم من تشبيه العمل بالعمل إمكان وقوع
المشبه به فضلا عن كونه مشروعا بل ولا ممكنا كما في الحديث الصحيح
و
لهذا جعل صيام ثلاثة أيام من الشهر وصيام رمضان وإتباعه بست من شوال يعدل
صيام ثلاث مئة وستين يوما وذلك حراما غير جائز بالاتفاق فإنه وقع التشبيه
في الثواب لا على تقدير كونه مشروعا بل ولا ممكنا كما في الحديث الصحيح.
وقد سئل عن الجهاد فقال للسائل: "هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تصوم فلا تفطر وتقوم فلا تفتر قال لا قال ذلك مثل المجاهد".
والمقصود أنه لا يلزم من تشبيه الشيء بالشيء مساواته له.
ومثل
هذا قوله صلى الله عليه وسلم: "من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف
الليل ومن صلى العشاء والفجر في جماعة فكأنما قام الليل كله".
وهذا
يدل على ما تقدم من تفضيل العمل الواحد على أمثاله وأضعافه من جنسه فإن من
صلى العشاء والفجر في جماعة ولم يصل بالليل تعدل صلاته تلك صلاة من قام
الليل كله فإن كان هذا الذي قام الليل قد صلى تينك الصلاتين في جماعة أحرز
الفضل المحقق والمقدر وإن صلى الصلاتين وحده وقام الليل كان كمن صلاهما في
جماعة ونام بمنزله إن صحت صلاة المنفرد.
وهذا كما تقدم من أن تفاضل الأعمال ليس بكثرتها وعددها وإنما هو بإكمالها وإتمامها وموافقتها لرضا الرب وشرعه.
وأما المسألة الرابعة :
وهي
قوله في الحديث "من دخل السوق فقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له
الملك وله الحمد يحي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير
كتب الله له ألف ألف حسنة ومحا عنه ألف ألف سيئة رفع له ألف ألف درجة".
فهذا الحديث معلول أعله أئمة الحديث.
من كلامه فى كتاب المنار المنيف فى الصحيح والضعيف.