طـــــوبى للشــــــام
قال الله تعالى : « وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَــاءُ وَيَخْتَــارُ مَا كَانَ لَهُــمُ
الْخِيَــرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُـونَ » (القصص : 68 ).
لقد اختار الله - عزَّ وجل - مكة والمدينة ، واختار بلاد الشــام ،
واختار المسجد الأقصى منها، واختار نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم،
وجعله خاتم الأنبياء والمرسلين، وجعل شريعته هي خاتمة الشرائع،
وجعل أمته خير أمة أخرجت للناس ، واختار الطــائفة
المنصورة إلى يوم الدين من هذه الأمّة ، وجعلها في بلاد الشام.
يقول ياقوت الحموي في معجم البلدان عن الشام :
" وأما حدُها فمن الفرات إلى العريش المتاخم للديـار المصرية
وأما عرضها فمن جبلَي طيىءٍ من نحو القبلة إلى بحــر الـروم
وما بشــأمة ذلك من البــلاد وبها من أمهات المدُن مَنبج وحلب
وحماة وحمص ودمشــق والبيت المقدس والمعرة وفي الساحل
أنطاكية وطرابلس وعَكــا وصــور وعسقلان وغير ذلك. وهــي
خمســة أجناد جُنْـدُ قنســرين وجنـد دمشــق وجند الأردُن وجنـد
فلسطيــن وجنـد حمص وقد ذكرت في أجنــاد. ويُعـدُ في الشــام
أيضـــاً الثغـــور وهي المصيصة وطــرسـوس وأذنَة وأنطــاكية
وجميــع العواصــم من مَـرعش، و الحــدَث وبغـراس والبلقـــاءُ
وغيــر ذلك. وطولهـــا من الفــرات إلى العــريــش نحــو شهـــر
وعرضهـــا نحـــو عشـــرين يومـــاً، "
بلاد الشام بلاد طيبة مباركة ذكرها الله في كتابه الكريم ، وعلى
لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ، فهي مهجر إبراهيم الخليل
ومقام أكثر أنبياء الله - سبحانه وتعالى .
وتمتازأرض الشام (سوريا – الأردن – لبنان – فلسطين) عن سائر
بلاد الله الأخرى بمزايا كثيرة تجتمع هذه المزايا في كلمة جامعة
وصف الله تعالى هذه الأرض بها في أكثر من موضع؛هي البركة.
فقد ورد في القرآن الكريم خمس آيات تدل على أن
بلاد الشام بلاد مباركة وهي :
الآيـــة الأولــــى
كان الإسراء بخاتم النبيين وسيد المرسلين محمد صلى الله عليه
وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، وكان عروجه
من المسجد الأقصى إلى السماوات العلى، وقد ذكر ربنا ذلك في
كتابه ؛ فقال: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ
إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَــى الَّذِي بَارَكْنَا حَــوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ
السَّمِيـــعُ البَصِيرُ) الإسراء ( 1 )
فقولـه تعالى يدل على أنَّ المسجد الأقصى وما حوله مما يحيط
به من بلاد كلها مباركة [جامع البيان]
الآيــــة الثانيـــــة
قوله تعالى بعد إهلاك فرعون وقــومه ونجــاة المسلمين
من بني إسرائيل -:
( وَأَوْرَثْنَــا الْقَــوْمَ الَّذِينَ كَـانُواْ يُسْتَضْعَفُـونَ مَشَــارِقَ الأَرْضِ
وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي
إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُواْ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا
كَانُواْ يَعْرِشُونَ ) ( الأعراف : 137 )
الأرض: المقصود بها أرض الشام؛ قاله: الحسن، وقتادة،
وزيد بن أسلم، وسفيان.
الآيـــة الثالثـــــة
قوله تعالى عن إبراهيـــم عليــه الســــلام فــي كتابه:
(وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ)
( الأنبياء : 71 )
نجَّاه من أذى قومه، ومن اضطهادهم حيث ألقوه في النار،
فجعلها الله برداً وسلاماً عليه، واختار له الأرض المباركة:
اختار له فلسطين من بلاد الشام.
الآيــــة الرابعـــــة
أجرى الله -عزّ وجل- الريح لسليمان -عليه الصلاة والسلام- إلى
الأرض المباركــة، وكــانت القدس موطن سليمان -عليه الصلاة
الســـلام-، ومكــانه، ومقـــرّ مملكته ، قال الله تعالى -:
( وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا
فِيهَـا وَكُنَّـا بِكُـلِّ شَـيْءٍ عَالِمِيـنَ ) (الأنبياء :81 )
قال ابن جرير الطبري: « تجري الريح بأمر سليمان إلى الأرض
التي باركنا فيها؛ يعني: أنها الشــــــــام، وذلك أنها كانت تجري
بسليمان وأصحابه إلى حيث شاء سليمان، ثم تعود به إلى منزله
بالشام، فلذلك قيل: إلى الأرض التي باركنا فيها» [جامع البيان].
الآيــــة الخامســــة
قوله تعالى عن سبأ :
(وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا
فِيهَا السَّيْــرَ سِيــرُوا فِيهَا لَيَــالِيَ وَأَيَّــامـاً آمِنِينَ) ( سبأ : 18 )
والقرى الواردة في الآية: قرى بلاد الشام المتاخمة لقرى اليمن.
قال ابن جــرير الطبــري: « أي: جعلنــا فيها الخيــر ثابتاً دائماً
لأهلهــا » [ وقد فصــل ذلك تفصيلاً حسناً ابن قــيم الجــوزية -
رحمه الله- في "الداء والدواء" ].
هنـا أقــول : إنّ هذه البركة قد تقلّ - أحياناً - بسبب المعاصي
والذنوب ؛ فالمعــاصي والذنوب سبب لهــلاك الأمم والشعوب
[ تفسير القرآن العظيم ].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن هذه النصوص :[ 1 ]
" فهــذه خمس آيات نصوص ، و البركــة : تتناول البركة في
الدين ، والبركــة في الدنيا ، وكلاهما معلوم لا ريب فيه فهــذا
مــن حيث الجملــة والغـــالب " المجمــوع : 27/ 44. اهـ .
أهلنا في بلاد الشام الحبيبة
أذاق الله قلوبكم لذة :" الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّـهِ ۗ
أَلَا بِذِكْرِ اللَّـهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُــوبُ " ( ســـورة الرعـــد الآية ٢٨ )
وسقى الله أيامكم عيش : " وَيَوْمَئِذٍ يَفْــرَحُ الْمُؤْمِنُــونَ .. بِنَصْرِ
اللَّـهِ ۚ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ "(الروم الآية ٤ و٥)
نسأل الله أن ينصر بكم الحق ويخذل بكم الباطل ، وأن يجمع
كلمتكم على التقـــوى ، ويوحد صفوفكم ويثبت أقدامكم ، وأن
ينصـــركم نصر عزيز مقـــتدر ، إنه ولي ذلك والقـــادر عليه .
اللهم آمـــــيــــــن
وهذا كتاب تخريج أحاديث فضائل الشام ودمشق
للشيخ الألباني رحمه الله
هنـــــــــــا