الحمد لله الذي خلّص قلوب عباده المتقين من ظُلْم الشهوات ، وأخلص عقولهم عن ظُلَم الشبهات
أحمده حمد من رأى آيات قدرته الباهرة ، وبراهين عظمته القاهرة ، وأشكره شكر من اعترف بمجده وكماله
واعترف من بحر جوده وأفضاله وأشهد أن لا إله إلا الله فاطر الأرضين والسماوات ، شهادة تقود قائلها إلى الجنات
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وحبيبه وخليله ، والمبعوث إلى كافة البريات ، بالآيات المعجزات
والمنعوت بأشرف الخلال الزاكيات صلى الله عليه وعلى آله الأئمة الهداة ، وأصحابه الفضلاء الثقات
وعلى أتباعهم بإحسان ، وسلم كثيرا
أما بعد :
فإن اصدق الحديث كتاب الله ، وأحسن الهدي هدي
محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها،
وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار
ــــ أعاذنا الله وإياكم من النار ــــ
إهمال تعلم العقيدة والانشغال بأمور أخرى !
فضيلة العلامة د. صالح بن فوزان الفوزان
أنصح للشباب ولغيرهم من المسلمين : أن
يهتموا بالعقيدة - أولاً - وقبل كل شيء ؛ لأن العقيدة هي الأصل الذي تبنى
عليه جميع الأعمال قبولاً وردًا ، فإذا كانت العقيدة صحيحة موافقة لما جاء
به الرسل - عليهم الصلاة والسلام - ، خصوصًا خاتم الرسل نبينا محمدًا -
صلى الله عليه وسلم - ، فإن سائر الأعمال تقبل إذا كانت هذه الأعمال خالصة
لوجه الله تعالى ، وموافقة لما شرع الله ورسوله ، وإذا كانت العقيدة فاسدة
، أو كانت ضالة مبنية على العوائد وتقليد الآباء والأجداد ، أو كانت عقيدة
شركية ، فإن الأعمال مردودة ، لا يقبل منها شيء ، ولو كان صاحبها مخلصًا
وقاصدًا بها وجه الله ؛ لأن الله - سبحانه وتعالى - لا يقبل من الأعمال
إلا ما كانت خالصة لوجهه الكريم ، وصوابًا على سنة رسوله - صلى الله عليه
وسلم - .
فمن كان يريد النجاة لنفسه ، ويريد قبول أعماله
، ويريد أن يكون مسلمًا حقًا ، فعليه أن يعتني بالعقيدة ، بأن يعرف
العقيدة الصحيحة ، وما يضادها ، وما يناقضها ، وما ينقصها ، حتى يبني
أعماله عليها ، وذلك لا يكون إلا بتعلمها من أهل العلم وأهل البصيرة الذي
تلقوها عن سلف هذه الأمة .
قال الله - سبحانه وتعالى - لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - : ( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ) . [ محمد : 19 ] .
وقد ترجم الإمام البخاري - رحمه الله - ترجمة
قال فيها : ( باب : العلم قبل القول والعمل ) ، وساق هذه الآية الكريمة :
( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ ) ، حيث بدأ الله - سبحانه
وتعالى - بالعلم قبل القول والعمل .
وقال الله - سبحانه وتعالى - : ( وَالْعَصْرِ
إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ) . [ العصر : 3 ] . فرتب السلامة من الخسارة على مسائل أربع :
- المسألة الأولى : الإيمان ، ويعني : الاعتقاد الصحيح .
- المسألة الثانية :
العمل الصالح والأقوال الصالحة ، وعطف الأقوال الصالحة والأعمال الصالحة
على الإيمان من باب عطف الخاص على العام ؛ لأن الأعمال داخلة في الإيمان ،
وإنما عطفها عليه اهتماما بها .
- المسألة الثالثة : ( وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ )
. [ العصر : 3 ] . يعني : دعوا إلى الله ، وأمروا بالمعروف ، ونهوا عن
المنكر ، لما اعتنوا بأنفسهم أولاً ، وعرفوا الطريق ، دعوا غيرهم إلى ذلك
، لأن المسلم مكلف بدعوة الناس إلى الله - سبحانه وتعالى - ، والأمر
بالمعروف ، والنهي عن المنكر .
( وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ) . [ العصر : 3 ] . وهذه المسألة الرابعة : الصبر على ما يلاقونه في سبيل ذلك من التعب والمشقة .
فلا سعادة لمسلم إلا إذا حقق هذه المسائل الأربع .
أما الاهتمام بالثقافات العامة ، والأمور
الصحفية ، وأقوال الناس ، وما يدور في العالم ، فهذه إنما يطلع الإنسان
عليه بعدما يحقق التوحيد ، ويحقق العقيدة ، ويطلع على هذه الأمور ، من أجل
أن يعرف الخير من الشر ، ومن أجل أن يحذر من ما يدور في الساحة من شرور
ودعايات مضللة ، لكن هذا بعدما يتسلح بالعلم ويتسلح بالإيمان بالله ورسوله
، أما أن يدخل في مجالات الثقافة والأمور الصحفية وأمور السياسة وهو على
غير علم بعقيدته وعلى غير علم بأمور دينه ، فإن هذا لا ينفعه شيئًا ، بل
هذا يشتغل بما لا فائدة له منه ، ولا يستطيع أن يميز الحق من الباطل .
كثير ممن جهلوا العقيدة واعتنوا بمثل هذه الأمور
ضلوا وأضلوا ولبسوا على الناس ، بسبب أنهم ليس عندهم بصيرة وليس عندهم علم
يميزون به بين الضار والنافع ، وما يؤخذ وما يترك ، وكيف تعالج الأمور ،
فبذلك حصل الخلل ، وحصل اللبس عند كثير من الناس ؛ لأنهم دخلوا في مجالات
الثقافة ومجالات السياسة ، من غير أن يكون عندهم علم بعقيدتهم وبصيرة من
دينهم ، فحسبوا الحق باطلاً ، والباطل حقًا .