[center]إنَّها رُوح الحياة، وطَعم الوجود،
وجنَّة الدنيا وغذاء الرُّوح، وبهجة القلْب، إنها أصلُ العبادة، وأساس
السعادَة، إنها أجلُّ مقامات العابدين، وأعظم منازل السائرين، فليس للقلب
لذَّة ولا نعيم، ولا فلاح ولا حياة إلاَّ بها، وإذا فقَدَها القلب كان
ألمه أعظمَ مِن ألم العين إذا فقدتْ نورها، والأذن إذا فقدتْ سمعها،
والأنف إذا فقدَ شمَّه، واللسان إذا فقدَ نُطقه، بل فساد القلْب إذا خلا
منها أعظم مِن فساد البدن إذا خلاَ منه الرُّوح، وهذا الأمر لا يصدِّق به
إلا مَن فيه حياة.
هل تدري عما أُحدِّثك؟
إنَّها
محبَّة الله، وما أدراك ما محبَّة الله؟! إنها "المنزلة التي فيها تنافَس
المتنافِسون، وإليها شخص العالمون، وإلى عَلَمها شمَّر السابقون، وعليها
تفانَى المحبُّون وبِرَوح نسيمها تروَّح العابدون، فهي قوتُ القلوب
وقُرَّة العيون، وهي الحياة التي مَن حُرمها، فهو في جُملة الأموات،
والنُّور الذي مَن فقدَه فهو في بِحار الظُّلمات، والشِّفاءُ الذي مِن
عدمه حلَّتْ بقلبه جميع الأسْقام، واللَّذة التي مَن لم يظفرْ بها، فعيشه
كلُّه هموم وآلام، تاللهِ لقدْ ذهَب أهلها بشرف الدُّنيا والآخرة؛ إذ لهم
مِن معرفة محبوبهم أوفر نصيب"
[1].
ألاَ
ما أروعَ محبَّة الله! إنها "منهلٌ عذب لا أعذبَ منه على نفْس المحبِّ ولا
أشْهَى، وهل أمْتَع لنفس المحبِّ مِن ذِكر مَن يحبُّ، وتَكرار حديثه،
والترنُّم بذِكراه، إنَّه امتحان يفوز بعدَه المؤمن بهذه الشهادة؛ ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ﴾ [البقرة: 165].
•
والذين آمنوا أشدُّ حبًّا لله؛ لأنَّهم يدعون الله رغبًا ورهبًا، ويعبدون
الله في السرَّاء والضرَّاء، فقلوبُهم امتلأتْ بتعظيم الله تعالى وخشيته،
وإجلاله وهيبته.
• والذين آمنوا أشدُّ حبًّا لله؛ لأنَّهم يؤثِرون مرضاةَ الله تعالى على أيِّ هوًى أو رغْبة، ويبذلون في سبيلِ الله مُهجهم وأرواحهم.
•
والذين آمنوا أشدُّ حبًّا لله؛ لأنَّهم يأوون إلى رُكن الله المكين،
ويتمسَّكون بحبل الله المتين، ويلوذون بحِمى الله الذي لا يُضام.
•
والذين آمنوا أشدُّ حبًّا لله؛ لأنَّهم يتقلَّبون على الجمْر، ويتلذَّذون
بالصبر، ولا ترهبهم قوَّة، ولا تأسرهم شهوة، ولا تحكمهم نزْوة، يشتاقون
إلى الله ويحبُّون لقاءه، فيحبُّ الله لقاءَهم"
[2].
• والذين آمنوا أشدُّ حبًّا لله، إنَّها لشهادة أكْرِم بها مِن شهادة! لا أرفع منها ولا أجلَّ، ولا أفضلَ منها ولا أكمل.
من أجمع ما قيل في الحب:
"جرتْ
مسألة المحبَّة في مكة أيام المواسم، فتكلَّم فيها الشيوخ وكان الجنيد
أصغرَهم سنًّا فقالوا: هات ما عندك يا عراقي، فأطْرقَ رأسه ودمعتْ عيناه،
ثم قال: عبدٌ ذاهب عن نفْسه، متَّصل بذِكر ربه، قائِم بأداء حقوقِه، ناظِر
إليه بقلْبه، أحرقتْ قلبَه أنوارُ هيبته، وصفا شربه مِن كأس ودِّه، فإنْ
تكلم فبالله، وإنْ نطَق فعن الله، وإن تحرَّك فبأمر الله، وإنْ سكت فمع
الله، فهو بالله ولله ومع الله، فبَكَى الشيوخ، وقالوا: ما على هذا مَزيد،
جزاك الله يا تاج العارفين".
علامات المحبَّة:
اعلم
أنَّ محبَّةَ الله إذا تمكَّنت مِن القلب ظهرتْ آثارها على الجوارح، مِن
الجدِّ في طاعته، والنشاط لخِدمته، والحرص على مرضاته، والتلذُّذ
بمناجاته، والرضا بقضائه، والشوق إلى لقائه، والأنس بذِكره، والاستيحاش
مِن غيره، وخروج الدنيا من القلب، ومحبَّة كلِّ مَن يحبُّه الله، وإيثاره
على كلِّ مَن سواه، وهذا ما أشار إليه الحارث المحاسبيُّ: "المحبَّة
تسليمك إلى المحبوب بكليَّتك، ثمَّ إيثارك له على نفْسك ورُوحك، ثمَّ
موافقته سرًّا وجهرًا، ثمَّ علمك بتقصيرك في حبِّه".
وللمحبة علامات كثيرة، منها:
1- كثرة ذكْر المحبوب، فمَن أحب شيئًا أكثر مِن ذِكره بقلْبه ولسانه.
2- الانقياد لأمْر المحبوب في أيِّ حال، والإسراع إليه في السَّيْر.
3- قلَّة صبر المحبِّ عن المحبوب، فينصرف صبرُه إلى الصبر على طاعتِه، والصبر عن معصيته، والصبر على أحكامِه.
4- اتباع الرَّسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - والتزام سنته؛ ﴿ قُلْ
إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ
وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [آل عمران: 31].
5-
حب الوَحْدة والأُنس بالخلوة به، وهجْر كلِّ سبب يُقصيه عن محبوبه،
وارتياحه لكلِّ سبب يُدنيه مِن محبوبه، وبذل كل ما يملك في سبيلِ مرضاة
محبوبه، فواعجبًا لكَ أيها القلب!
من ثمرات المحبة: وهي كما ذَكرها د. مجدلي الهلالي
[3]:
1- الرضا بالقضاء:
عندما
يتعرَّف الواحد منَّا على مدَى حب ربه له، وحرصه عليه، فإنَّ هذا من شأنه
أن يدفعَه دومًا للرِّضا بقضائه، كيف لا وقد أيقَن أنَّ ربه لا يُريد له
إلاَّ الخير، وأنه ما خَلَقه ليعذبه، بل خلقَه بيده، وكرَّمه على سائرِ
خلْقه ليدخلَه الجنة، دار النعيم الأبدي، ومِن ثمَّ فإنَّ كل قضاء يَقضيه
له ما هو إلا خُطوة يمهِّد له من خلالها طريقَه إلى تلك الدار، فالأقدار
المؤلِمة والبلايا ما هي إلا أدواتُ تذكير، يُذكِّر الله بها عبادَه
بحقيقةِ وجودهم في الدنيا، وأنها ليستْ دارَ مقام، بل دار امتحان، وأنَّ
عليهم الرجوعَ إليه قبل فوات الأوان، وهي كذلك أدوات تطهير مِن أثر الذنوب
والغفلات التي يقع فيها العبد.
2- التلذُّذ بالعبادة وسرعة المبادرة إليها:
كلما
ازداد حبُّ العبد لربِّه ازدادتْ مبادرته لطاعته واستمتاعه بذِكره، وكان
هذا الحبُّ سببًا في استخراجِ معاني الأُنس والشوق إلى محبوبه الأعظم،
والتعبير عنها مِن خلال ذِكْره ومناجاته.
3- التضحية مِن أجله والجهاد في سبيله:
المحبَّة
الصادِقة لله - عزَّ وجلَّ - تدفع صاحبها لبذْلِ كلِّ ما يملكه مِن أجل
نيْل رضا محبوبه، وليس ذلك فحسبُ، بل إنَّه يفْعَل ذلك بسعادة، وكل ما
يتمنَّاه أن تحوزَ هذه التضحية على رِضاه.
4- الحياء من الله:
فالمحبُّ
الصادِق في حبِّه لله - عزَّ وجلَّ - يستحي أن يراه حبيبُه في وضْع شائن،
أو مكان لا يحب أن يَراه فيه، فإذا ما وقَع في معصية أو تقصير سارَع
بالاعتذار إليه، واسترضائه بشتَّى الطُّرق، وفي هذا المعنى يقول ابن رجب: "إنَّ
محبة الله إذا صدقَتْ أوجبتْ محبة طاعته وامتثالها، وبُغض معصيته
واجتنابها، وقد يقَع المحبُّ أحيانًا في تفريط في بعضِ المأمورات،
وارْتكاب بعض المحظورات، ثم يرجع إلى نفْسه بالملامة، وينزع عن ذلك
ويتداركه بالتوبة".
5- الغيرة لله:
عندما
يستقرُّ حبُّ الله في قلب العبد، فإنَّ هذا من شأنه أن يجعله يغار لمولاه
وعلى محارمه أن تُنتهك، وحدوده أن تُتجاوز، وأوامره أن تُخالَف.
6- الغنى بالله:
ومع كلِّ الثمار السابقة تأتي أهمُّ ثمرة للمحبَّة، ألا وهي الاستغناء بالله - سبحانه وتعالى - والاكتفاء به؛ ﴿ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾ [طه: 73]، فينعكس ذلك على تعامُلات العبد مع الأحداث التي تمرُّ به، فإنِ ادلهمَّتِ الخطوب استشعر معيةَ الله له؛ ﴿ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ﴾ [التوبة: 40]، وإن تشابكتْ أمامه الأمور تذكَّر فردَّد في نفْسه ﴿ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾ [الشعراء: 62].
الطريق إلى محبَّة الله:
قبل
أن أُحدِّثك عنِ الأسباب الموصلة إلى محبَّة الله - عزَّ وجل - أودُّ أن
أُشير إلى أمر هام، وهو أنَّ عوامل الحبِّ في حياة الإنسان - كما ذكَر
الدكتور البوطي - ثلاثة لا مزيدَ عليها:
1- إحسان يأسِر القلب:
العبد
أسير الإحسان، فالإنعام والبِر واللطف معانٍ تسترقُّ مشاعرَه، وتستولي على
أحساسيه، وتدفعه إلى محبَّة مَن يُسدي إليه النِّعمة، ويُهدي إليه
المعروف، ولا منعم على الحقيقة ولا محسنَ إلا الله، فالله تعالَى سخَّر
لنا ما في البَر والبحر، وأرسل السماء بالماء، وشق الأرض بالنبات، وجعل
الأرض فراشًا وذلولاً ومهادًا، والسماء بناءً، ورزقَنا من الطيبات وأصناف
الثمرات، ومختلف المطعومات وسائر المشروبات، ووهب لنا الأموال والأولاد ﴿ وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ﴾ [إبراهيم: 34].
فإذا
تذكَّرْتَ هذه النعم وأضعافها التي تفِد إليك، وربطتها بالمنعِم المتفضِّل
- جلَّ جلاله - تفجَّرتْ في قلبك مِن هذه المشاعر محبَّةٌ عارمة لهذا الذي
يتوالَى إليك إكرامه، ولا تنقطع عنك مِننه.
2- جمال يأخذ بمجامع النفس:
إنَّ
مصدر الجمال كله بشتَّى صوره وأنواعه إنَّما هو الله - جلَّ جلاله - فمَن
كان مِن شأنه أن تأسِر صور الجمال المتنوِّعة لُبَّه، وأن تأخذ بمجامع
نفْسه، وكان ممَّن عرَف الله وآمَن به لا بدَّ أن تُهيمن عليه محبَّةُ
خالق الجمال في الكون، ومبدع الرائحة في العطر، ومفجِّر العبق في الزهر،
ومنسق الألوان في الورد، وهل هو إلا الله - جلَّ جلاله؟! هل مِن خالق غير
الله؟!
3- عظمة تبهر الوجدان:
الله
– عزَّ وجلَّ - عظيمٌ في كلِّ شيء، عظيمٌ في ذاته وفي أسمائه وصِفاته،
عظيم في رحمته، عظيم في قُدرته، عظيم في حِكمته، عظيم في جَبروته
وكبريائه، عَظيم في هِبته وعطائه، عظيم في لُطفه وخِبرته، عظيم في برِّه
وإحسانه، عظيم في عِزَّته وعدله وحمده، فهو العظيم المطلَق، فلا أحدَ
يُساويه ولا عظيمَ يُدانيه.
والآن إلى الأسباب الموصلة لمحبَّة الله للعبد، وهى كما ذكَرها الإمام ابنُ القيِّم في كتابه "مدارج السالكين":
1- قراءة القرآن بالتدبُّر والتفهُّم لمعانيه وما أُريد به، كتدبر الكتاب الذي يحفظه العبدُ ويشرحه؛ ليتفهمَ مراد صاحبه منه.
2-
التقرُّب إلى الله بالنوافِل بعدَ الفرائض؛ فإنها توصله إلى درجة
المحبوبية بعد المحبة، وفي ذلك يقولُ رسولُ الله - صلَّى الله عليه
وسلَّم -: ((إنَّ الله تعالى قال: مَن عادى لي
وليًّا فقد آذنته بالحرْب، وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيءٍ أحبَّ إليَّ
مما افترضتُ عليه، وما يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أحبَّه، فإذا
أحببتُه كنتُ سمعَه الذي يسمع به، وبصرَه الذي يُبصِر به، ويدَه التي يبطش
بها ورِجله التي يمشي بها، وإنْ سألني لأعطينَّه، ولئن استعاذني
لأُعيذنَّه، وما ترددتُ عن شيء أنا فاعله تردُّدي عن نفْس المؤمن؛ يَكْرَه
الموت وأنا أكْره مَسَاءَتَه))؛ رواه البخاري.
فيا
قلْبي المسكين تقرَّب إلى ربك بالنوافل كي يحبَّك، (ويحك تتقرب ليحبك! فما
تريد بعدُ! وكيف حبه؟ حبًّا يتصل بكل جارحة فيك، حبًّا يقلب لك جسدك كله
حبًّا ترى به سبحانه كل الوجود، وتسمع به، وتبطش به، وتسير به، ليصل الحب
إلى روحك فتستعيذ به - عزَّ وجلَّ - فيعيذك، وتسأله فيعطيك، وأنت ما عليك
إلا القرب يحبك الله، فيأتيك الموت وأنت له مؤثر وإليه مشتاق، وما عليك
إلا أن تتقرَّب"
[4].
3- دوام ذِكْره على كلِّ حال: باللِّسان والقلب، والعمل والحال، فنصيبه من المحبَّة على قدْر نصيبه مِن الذكر.
وأفضل
وسيلة لذِكْر الله كما أشار - الدكتور البوطي - أن تربط النِّعم التي تفِد
إليك بالمنعِم - جلَّ جلاله - بألاَّ تتلقَّاها غافلاً عن مصدرِها الذي
وصلتْ إليك منه؛ ونظرًا إلى أنَّ نِعم الله تعالى سلسلة متصلة الحلقات لا
تكاد تنقطِع عنك، إذًا لا بدَّ أن تكون دائمًا مع الله في استقبالك لنِعمه
بفِكرك ووجدانك، وهذا هو أعلى مراتبِ ذِكر الله، فإذا أخذتَ نفْسك بهذا
الوِرد، بل الغذاء الرُّوحي المتميز، واستقمتَ على ذلك دون انقطاع، تراقب
المنعم المتفضِّل كلَّما تقلَّبتَ في نِعمة من نِعمه، فإنَّ قلبَك يُصبح
وعاءً يفيض بحبِّه وحْدَه، وتزول منه محبةُ الأغيار.
4- إيثار محابِّه على محابِّك عندَ غلبات الهوى، والتسنُّم إلى محابِّه وإنْ صعُب المرتقَى.
يقول ابن القيم في شرح هذه العبارة "إيثار رِضا الله على رِضا غيره وإنْ عظُمت فيه المِحن، وثقلت فيه المُؤن، وضعُف عنه الطول والبَدَن"، وهذا كله لا يكون إلا لثلاثة أمور: قهْر هوى النفْس - مخالَفة هوى النفْس - مجاهدة الشيطان وأوليائه.
5-
مطالعة القلْب لأسمائه وصفاته ومشاهدتها ومعرفتها وتقلُّبه في رِياض هذه
المعرفة، فمَن عرَف الله بأسمائه وصفاته وأفعاله أحبَّه لا محالة.
6-
مشاهدة برِّه وإحسانه وآلائه ونِعمه الباطِنة والظاهِرة، فإنَّها داعية
إلى محبته "إنَّ الإنسان في كلِّ الأحوال مفطورٌ على حبِّ النِّعم
بأنواعها، ولكنَّه عندما يعلم أن المتفضِّل عليه بها هو الله، وأنَّ الذي
يبعث الشعور بلذَّتها ونعيمها هو الله، فلا بدَّ أن يتوجه قلبه بالحب
إليه؛ لأنَّ القلوب جُبِلت على حبِّ مَن أحسن إليها، وقد علِم صاحِبُ هذا
الشهود أنْ لا محسنَ في الكون كله إلا الله، والوسائط والأسباب التي تراها
إنْ هي إلا جنودٌ وخدَم تحت سلطان الله، فإذا ثبت لصاحِب هذا الشهود أنَّ
المنعِم والمتفضِّل دائمًا هو الله، وأنَّ الذي يُرجَى نفعه ويُخشى ضرُّه
واحد لا ثاني له، وهو الله، فلا شكَّ أنَّ المحبوب الأول والمعظَّم الأول
والْمُهاب الأوَّل لديه هو الله تعالى، ثم تأتي محبَّته للمُتع التي فُطِر
على حبها في الدرجة الثانية، بل الثالثة"
[5].
7-
وهو مِن أعجبها: انكسار القلْب بكليَّته بين يدي الله تعالى، وليس في
التعبير عن هذا المعنى غيرُ الأسماء والعبارات، والانكسار بمعنى الخشوع،
وهو الذلُّ والسكون.
8-
الخلوة به وقت النزول الإلهي لمناجاته وتلاوة كلامه، والوقوف بالقلب
والتأدُّب بأدب العبودية بيْن يديه، ثم ختْم ذلك بالاستغفار والتوبة.
9-
مجالسة المحبين الصادقين والتقاط أطايب ثَمَرات كلامهم كما يَنتقي أطايب
الثمر، ولا تتكلَّم إلا إذا ترجَّحتْ مصلحة الكلام، وعلمتَ أنَّ فيه
مزيدًا لحالك ومنفعةً لغيرك.
10- مباعدة كل سبب يحول بين القلْب وبين الله - عزَّ وجلَّ .
منارات على الطريق:
عبدالله بن جحش - رضي الله عنه - أُمنية محبّ:
عن
إسحاقَ بن سعد بن أبي وقَّاص، قال: حدَّثَني أبي أنَّ عبدالله بن جحش، قال
يوم أُحد: ألاَ تأتي ندْعو الله تعالى، فخلوا في ناحية فدعَا سعد - رضي
الله عنه - فقال: يا ربِّ إذا لقينا العدوَّ غدًا فلقِّني رجلاً شديدًا
بأسُه، شديدًا حردُه (غضبه)،
أقاتله ويُقاتلني، ثم ارزقني الظفرَ عليه حتى أقتلَه وآخُذَ سلبه، فأمن
عبدُالله، ثم قال: اللهم ارزقني غدًا رجلاً شديدًا بأسُه، شديدًا حردُه،
فأُقاتله ويُقاتلني، ثم يأخذني فيَجدع (يقطع) أنْفِي وأُذني، فإذا لقيتُك
غدًا قلتَ لي: يا عبدالله فيمَ جُدِع أنفك وأذناك؟ فأقول: فيك وفي رسولك،
فتقول: صدقت، قال: سعدٌ كانت دعوته والله خيرًا مِن دعوتي، فلقد رأيتُه
آخِر النهار وإنَّ أنفه وأذنه لمعلَّق في خيط!
دعاء القلب الموصول بالله:
اللهم
إنِّي أسألك حبَّك وحبَّ من يحبك، وحبَّ كل عمل يُقرِّبني إلى حبِّك،
اللهم ما رزقتني ممَّا أحب فاجعله لي عونًا على ما تحب، وما زويتَ عني مما
أحب فاجعله لي فراغًا فيما تُحب، اللهمَّ اجعلْ حبك إليَّ أحبَّ مِن الماء
البارد على الظمأ.
[1] "مدارج السالكين" (3/6).
[2] حديث القلْب (ص: 23- 24)، د. عبد المجيد البيانوني - بتصرف يسير.
[3] مِن كتابه "كيف نحب الله ونشتاق إليه؟" (ص: 16- 25) باختصار.
[4] مقال "ربيع المؤمِن" الشيخ عبدالحميد الكبتي.
[5] "الحِكم العطائية" (1/190).
دمتم برعاية الرحمن وحفظه
شبكة الالوكة