لأنَّ لحظات السعادةِ تمرُّ بنا سريعةً،
ولأنَّنا مُتعطِّشون لأوقاتِ الفرحِ القليلةِ في حياتِنا، ولأنَّ أيَّامَ
الحجِّ معدوداتٌ، تبعثُ النورَ والصفاءَ في القلوبِ، وترسمُ الشروقَ في
سماءِ العيون، يغتنِمُها الحجيجُ في العبادةِ والدُّعاءِ؛ امتِثالاً لقولهِ
تعالى: ﴿ وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ ﴾ [البقرة: 203].
ولأنَّ
الجهدَ الذي يبذلُهُ الحُجَّاجُ كبيرٌ، ترى السَّعادةَ مرسومةً على
وجوهِهِم عندَ الإيابِ، تراهُم ضاحِكي القسماتِ، مُشرقي الوجوهِ، مسرورينَ
بقضاءِ العبادةِ الشريفة.
ولعلَّ ما نُسِبَ للشاعرِ العربيِّ (كُثيِّر عزَّة)
من شِعرٍ يصوِّرُ فيهِ مشاهِدَ العودة، وانطلاقَ القوافلِ في طريقِ
الإيابِ - ما يُوضِّحُ حلاوةَ الرجوعِ بعدَ انقضاءِ المناسكِ وشدِّ الركاب
للرحيل، حينَ قال:
وَلَمَّا قَضَيْنَا مِنْ مِنًى كُلَّ حَاجَةٍ وَمَسَّحَ بِالأَرْكَانِ مَنْ هُوَ مَاسِحُ
وَشُدَّتْ عَلَى حُدْبِ الْمَهَارِي رِحَالُنَا وَلاَ يَنْظُرُ الغَادِي الَّذِي هُوَ رَائِحُ
أَخَذْنَا بِأَطْرَافِ الأَحَادِيثِ بَيْنَنَا وَسَالَتْ بِأَعْنَاقِ الْمَطِيِّ الأَبَاطِحُ
|
لعلَّكَ لاحظْتَ سلاسةَ العبارات، وجمالَ الأسلوب، مِمَّا شغلَ نُقَّادَ العربية بها قديمًا.
إنَّ قولَ الشاعرِ: (ومسَّحَ بالأركانِ)
قد عبَّرَ فيه عن قضاءِ مناسكِ الحجِّ مِن خلالِ طوافِ الوداعِ، ثمَّ
انتقلَ لِيُصوِّر لنا سرورَ الركبانِ، وأحاديثَ الأصحابِ، وطِيبَ النفوسِ،
وسرعةَ سيرِ العائدين في سلاسةٍ، كالماءِ تسيلُ بهِ الأباطِحُ
وهنا لا بدَّ لنا أنْ نتساءلَ:
• هل من الممكنِ أن يسيرَ العائدونَ من الحجِّ بِهذهِ السُّرعةِ التي يُصوِّرها الشاعرُ؟!
يبدو
لي أنَّ فرحَ الحُجَّاج ونشوتَهم بانقضاءِ المناسكِ جميعِها، يَجعلُهم
يعيشونَ لحظات سحريَّةً، جميلةً رائعةً، لا يشعرونَ معها بمرورِ الزمنِ.
وكيف
لا يكونُ الأمرُ كذلكَ، وهم العائدونَ كيومِ ولدَتْهُم أُمَّهاتُهم؟ أليسَ
رسولُنا الأكرمُ - صلى اللهُ عليهِ وسلمَ - الذي وعدَنا بذلك؟ أَلم
يُخبرْنا بقولهِ: ((مَنْ حجَّ هذا البيت فلمْ يرفثْ ولمْ يفسُقْ، رَجَعَ
كمَا وَلدَتهُ أمُّهُ))؟
اللهُمَّ
يسِّرْ هذه الرحلةَ لجميعِ عبادِكَ المسلمينَ، واجعلْ حجَّهم مبرورًا؛
لِيعيشوا حلاوةَ الزمنِ في أجملِ رحلةٍ من رحلاتِ العمر.