السـلام عليكم ورحمة الله
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له
ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تفرد بالألوهية والربوبية والقدرة والكمال
لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع له الحكم واليه ترجعون ، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمد عبدالله ورسوله وصفيه من خلقه
وخليله أرسله الله بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً فبلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده حتى
آتاه اليقين من ربه فصلاة الله وسلامه عليه وعلى آله وصحابته ومن دعا بدعوته ونهج نهجه إلى يوم الدين
أما بعـد :
تم بعون الله فتح هاته الموسوعة الطيبة لكل متعلقات الخطب والدروس عن الحج والحجيج
وسنتناول فيها كل مايخص من مصادر ساعية في تنظيم كل متعلقات الحج عن طريق الخطب والدروس
المنسوبة لأصحابها
وأسـأل الله أن يجازي كل من يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي بالأجر العظيم
فاذكروا الله العلي العظيم يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
تقبل الله منا ومنكم وأحسن الأعمال
[center]فريضة العمر .. الحج
فضيلة الشيخ / عباس النهاري
ينابيع تربوية
الخطبة الأولى
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا
من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً ، وأشهد أن لا إله إلا الله
وحده لا شريك له تفرد بالألوهية والربوبية والقدرة والكمال لا مانع لما أعطى ولا معطي
لما منع له الحكم واليه ترجعون ، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمد عبدالله ورسوله وصفيه
من خلقه وخليله أرسله الله بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً فبلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح
الأمة وجاهد في الله حق جهاده حتى آتاه اليقين من ربه فصلاة الله وسلامه عليه وعلى آله
وصحابته ومن دعا بدعوته ونهج نهجه إلى يوم الدين ( يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله حق تقاته
ولا تموتن إلا وانتم مسلمون) (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة
وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام
إن الله كان عليكم رقيباً ) ( يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم
أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً ).
أما بعد أيها المسلمون ..
أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل ..
إخوة الإيمان.. يدخل جبريل عليه السلام يوماً في هيئة رجل وكان كثيراً ما يأتي في هيئة
بشر وكما يحدثنا أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب رضي الله عنه وعن الصحابة أجمعين
أن جبريل دخل يوماً على النبي عليه الصلاة والسلام
وجلس جلسة المتعلم ثم قال:يا محمد أخبرني عن الإسلام.
فقال عليه الصلاة والسلام: "الإسلام أن تشهد أن لا اله إلا الله وأن محمداً رسول الله ،
وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت إن استطعت إلى ذلك سبيلاً"
فقال:صدقت فقال:عمر فعجبنا له يسأله ويصدقه.المفترض
أن السائل لا يعلم فكيف يقول صدقت لكنه جبريل وكما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم
في آخر هذا الحديث الطويل قال:"إنه جبريل آتاكم يعلمكم دينكم".
إخوة الإسلام هذا الإسلام الذي ارتضاه الله لنا ديناً وطلب منا واستحب لنا أن نقول
إذا أصبحنا وإذا أمسينا رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمدٍ صلى الله عليه وسلم نبياً
ورسولاً فالحمد لله بالإيمان والحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه أن جعلنا من هذه الأمة
ونسأله أن يحيينا على هذا الدين وأن يميتنا عليه وأن يبعثنا عليه إنه على ما يشاء قدير.
هذا الإسلام له دعائم وله أسس وله أركان وله قواعد وله بناء وله سقف كل هذا البناء
بمكوناته كلها يعتمد على الأعمدة الخمسة التي أولها التوحيد لله شهادة أن لا اله إلا الله
وأن محمداً رسول الله وثانيها الصلاة وثالثها الزكاة ورابعها الصوم وخامسها الحج.
ونحن اليوم ومع اقتراب موسم الحج لهذا العام نحب أن نقف وقفة بسيطة مع هذا الركن
بقدر ما يسمح به المقام.
يقول الله عز وجل مبيناً أساس ومبتدأ تكوين الحج بل لا أقول مبتدأ الحج فقد حج البيت
قبل إبراهيم عليه السلام..هود وصالح حجا البيت بل وقيل أن آدم عليه الصلاة والسلام حج
البيت لكن نذكر ما ذكره القرآن الكريم بقول الله عز وجل ( وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت
أن لا تشرك بي شيئاً وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود وأذن في الناس بالحج
يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فجٍ عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في
أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير ثم ليقضوا
تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق ) هكذا و ( إذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت )
هيأ الله مكان البيت لإبراهيم أعلمه بموقعه، وهو كما يقول علماء الجغرافيا والمساحات
في وسط الأرض ـ هكذا قالوا والعهدة عليهم ـ مكان متوسط في وسط الأرض جعله
الله مكان البيت المعمور.
هذا البيت أذِن الله لإبراهيم أن يبنيه وسواء كان إبراهيم أول من بناه أو كان أول من بناه
من الملائكة أو أول من بناه آدم فالله يقول لنا ( وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت )
لماذا يُبنى البيت ؟ ما الهدف من ذلك ؟ أتعظيم الحجارة . أتعظيم المكان ؟ قال
( أن لا تشرك بي شيئاً ) فالإسلام دين التوحيد وما المناسك والطواف والسعي والوقوف
بعرفة والعبادات كلها إلا توحيد لله وتعظيم له واعتراف بربوبيته وأداءاً لحق ألوهيته سبحانه
وتعالى وإن كنا لا نقدره قدره ولا نستطيع أن نقوم بواجب من واجباتنا تجاهه سبحانه وتعالى.
( أن لا تشرك بي شيئاً) إذاً الأساس الأول هو البناء على التوحيد وتأسيس معاني الإيمان
والعقيدة ثم (طهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود ) وبنى إبراهيم البيت وإسماعيل
كما قال تعالى ( وإذ يرفع ابر اهيم القواعد من البيت وإسماعيل ) وكانا يقولان أثناء رفع
القواعد ( ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة
مسلمة لك ) واستجاب الله دعوتهما فكان من ذريتهما من ذرية إبراهيم إسماعيل وإسحاق
فكان من ولد إسحاق أمة مسلمة وكان من ولد إسماعيل أمة مسلمة ( واجعلنا مسلمين لك
ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وتب علينا انك أنت التواب الرحيم ).
وعندما رفع البناء أمر الله إبراهيم أن يصعد وأن يرفع صوته وينادي البشرية أن الله كتب
عليكم الحج فحجوا فقال يا رب ماذا عسى أن يبلغ صوتي من أنادي أنا في واد ليس فيه أحد
فقال له الله عز وجل نادي يا إبراهيم وأنا سأبلغ الصوت فنادى إبراهيم يا أيها الناس
إن الله كتب عليكم الحج فحجوا فسمع له كل من كتب له الحج.
وأنت عندما تلبس ثياب الإحرام في حج أو عمرة وترفع نشيدك ودعاءك وذكرك تقول
لبيك اللهم لبيك إنما تعني الإجابة لتلك الدعوة دعوة إبراهيم عليه السلام عندما نادى
يا أيه الناس إن الله كتب عليكم الحج فحجوا هذا كلام إبراهيم عليه السلام.
وانتقل بكم مرة ثانية للننظر ماذا نزل علينا نحن هذه الأمة الذي أمرنا أن نتبع ملة
إبراهيم اسمع لقول الله عز وجل ( قل صدق الله فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من
المشركين إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدى للعالمين فيه آيات بينات مقام
إبراهيم ومن دخله كان آمناً ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر
فإن الله غني عن العالمين ).
أخوة الإيمان: لقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن أول مسجد بني على وجه الأرض
هو الكعبة ( إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة ) ثم المسجد الأقصى وكان بينهما أربعون
عاماً ثم قال عليه الصلاة والسلام (ثم أين ما أدركت فصلي ).
إنَّ هذا البيت أول ما وضع فرض علينا أن نحجه لأنه أول بيت وأراد الله أن يُعظّم ويُكّرم
وأن يكون قبلة المسلمين ( ولله على الناس حج البيت ) حج زيارة وقصد البيت
( من استطاع إليه سبيلاً).
والاستطاعة تتمثل في الزاد والراحلة كما تتمثل في الصحة وقبل ذلك في الإسلام والبلوغ
ذلك شرط التكليف.
والمرأة يُشترط أن يكون معها محرم بالإضافة إلى الشروط السابقة فقد ثبت في صحيح
مسلم أن رجلاً جاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام فقال يا رسول الله إني رجل اكتتبت في
الغزو- أي دخل اسمي في من يغزو- وأن امرأتي حجت دون أن يكون معها محرم فقال له:
( اذهب فحج مع امرأتك ).
فإذاً شروط التكليف : الإسلام والبلوغ والعقل ، ثم الزاد والراحلة ، والمرأة يُشترط لها أن يكون
معها محرم.
ومن هنا وقف النبي صلى الله عليه وسلم فقال ( يا أيها الناس إن الله كتب عليكم الحج فحجوا )
إن الله كتب (فرض) عليكم الحج فحجوا فقام رجل فقال:يا رسول الله أفي كل عام فأعرض عنه
.فقال:أفي كل عام فأعرض عنه.فردد الثالثة فقال عليه السلام ( لا لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم
فاتركوني ما تركتكم فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا أمرتكم
بأمر فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه ) أو كما قال صلوات ربي وسلامه عليه
ومن هنا لزم المرء أن يحج وسواءاً قلنا الحج وجوباً على الفور أم على التراخي فعلينا إذا وجدت
الاستطاعة وتوفرت لنا أسباب الحج أن نتعجل ولا نتأخر لأننا لا نضمن أعمارنا ، فعمر المرء
بين يدي الله عز وجل، وحتى لو طال العمر فلا يدري الإنسان ماذا يعرض له من الموانع
ولا ما يعرض له من القواطع . وقد ورد في الأثر "أيها الناس تعجلوا في الحج فقد يمرض
المريض وتضل الراحلة وتعرض الحاجة" ومن هنا نجد اللفظ القرآني يعرض بأولئك القادرين
على أداء الفريضة وهم يتشاغلون عنها وربما اخترمتهم المنية قبل أن يذهبوا ،
انظر اللفظ القرآني يقول الله عز وجل ( ومن كفر فإن الله غني عن العالمين )
ونحن لا نقول إنه كفر ويخرج بذلك عن الملة ، ـ حاشا لله ـ أن نقول هذا ، لكنها معصية
تصل إلى كفر أصغر غير مخرج من الملة ، لكنه كبيرة ، لكنه ذنب ،لأن الله عز وجل يقول:
( ومن كفر فإن الله غني عن العالمين ). ومن هنا قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
"لقد هممت أن أكتب إلى الآفاق فينظروا من كان له جِدَةٌ ـ أي سعة وغنى ومال ـ
فلم يحجوا فليفرضوا عليهم الجزية ما هم بمسلمين ما هم بمسلمين ما هم بمسلمين" كررها
أمير المؤمنين ثلاثاً .
أخا الإيمان.. عليك إن وفقك الله وأعانك ويسر لك الأمر وأنت لم تحج عليك أن تسارع
إلى الحج باستطاعة. ومن لم يستطع فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
لم هذا كله ؟؟؟ إنَّه من فضل الله عز وجل فرضه عليك رحمة نعمة ،و اسمع لقول الحبيب
صلى الله عليه وآله وسلم: ( من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه ).
بل ما هو أعجبُ من ذلك!!! فقد كان عليه الصلاة والسلام يوماً جالساً في المسجد فجاء
رجل من الأنصار ورجل آخر يسألانه فقال "إن شئتما أخبرتكما بما جئتما تسألان من أجله
وإن شئتما سألتما" قالا: أخبرنا يا رسول الله. فقال "جئتما تسألان عن خروجكما إلى البيت
وعن قصدكم الحج والعمرة وعن الطواف" فذكر فضائل مناسك الحج كلها حتى وصل
إلى طواف الإفاضة فقال "أما طوافك بعد ذلك فيأتي ملك فيضع كفه على كتفيك ويقول اعمل
فيما يستقبل فقد غفر لك ما مضى" أي ابدأ عملك من جديد أما ما قد سبق فقد غفره الله لك
والحديث حسن وقال بعضهم صحيح.
بل وأعجب من ذلك عندما يقف الحاج على صعيد عرفه ويدنوا الخالق سبحانه وتعالى
من عباده ويباهي بهم الملائكة ويقول:( انظروا عبادي أتوني شعثاً غبراً من كل فج
عميق يرجون رحمتي ويخافون عذابي ، أُشهدكم يا ملائكتي أني قد غفرت لهم )
و ما رؤي الشيطان أذل ولا أحقر ولا أصغر من يوم عرفة إلا ما كان يوم بدر، يوم أن
طارده جبريل إلى بحر جدة، أما ما عداهما فما يرى أذل من يوم عرفة.. لماذا؟؟!!
لما يرى من غفران الذنوب وتنزل الرحمات فضلاً من الله ونعمة.
وأكبر من ذلك عندما يرجع الحاج من عرفة ويبيت بمزدلفة فيطّلع الله على عباده فيقول
( وهبت مسيئكم لمحسنكم وغفرت لكم التبعات ) والتبعات المظالم التي بين العباد.
أخوة الإيمان.. فضلٌ كبير ٌومنة فمن كان قادراً فلا يتأخر.. فلا تتأخر عن هذا الفضل.
وأما من وفقه الله للحج فحج حجة الإسلام، فيصبح الحج الثاني في حقه نافلة ،لكن ورد في
حديث حسن أن من وسّع الله في رزقه وأصح جسمه ثم يمر عليه خمس سنوات فلم يحج
فإنه محروم هكذا ثبت في حديث قدسي.
فيا أيها الأخ المسلم قد تقول اليوم المبالغ باهظة والنفقات كثيرة ونقول لك إنما يجب عليك
إن استطعت فإن لم تستطع فما كلفك الله إلا حدود استطاعتك ولا يلزمك أن تستدين
لكن لو أراد المسلم أن يستدين ليحج جاز له ذلك، وليس واجباً عليه ، بمعنى أن الله
لم يكلفني أن أستدين من أجل أن أذهب إلى الحج.
لماذا الحج ؟
قال تعالى: ( وأذّن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق
ليشهدوا منافع لهم ويذكروا الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا
منها وأطعموا البائس الفقير ). ليشهدوا منافع لهم . والمنافع هنا منافع في الدنيا ومنافع
في الآخرة ، منافع في الدين ومنافع في الدنيا، والمنافع في الدنيا واضحة، فهي البيع والشراء ..
وغيرها .
أما منافع الدين ومنافع الآخرة فهي أكثر وأجلّ وأعظم منها مباهاة الله الملائكة بعباده ومنها
غفران الذنوب ومنها التقاء المسلمين وشعورهم بالوحدة ومعرفة المسلمين بعضهم بعضاً
ومنها أن الحج مؤتمر سنوي. ورحمك الله يا عمر..فقد كان يعد عماله في خلافة الإسلام أن
يوافوه الموسم فينظر في أحوالهم ويقيم العدل على من ظلم منهم ويصلح أمورهم ويرشد
ويصلح من كان محتاجاً إلى ذلك هذا هو الحج.
أقول ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو
الغفور الرحيم.
فريضة العمر .. الحج
فضيلة الشيخ / عباس النهاري
ينابيع تربوية