المقدمة العامة:
لقد
كان حلم التنمية الشغل الشاغل لقيادات الدول التي حصلت على استقلالها
السياسي بعد رحلة من الكفاح و النضال، و تأكد لها أن ذلك الاستقلال يبقى
منقوصاً، إن لم يتبع بخوض معركة تنموية تعد الأصعب و الأشرس. لذا
عملت على تضافر الجهود، و تجنيد كل الطاقات و حشد كافة الموارد من أجل
تحقيق الهدف المنشود من التنمية الاقتصادية و الاجتماعية، مما يؤدي إلى رفع
مستوى الدخل القومي لدى المواطن، و زيادة قدرته الشرائية و الانتقال به
إلى مستوى اقتصادي يوفر له الحياة الكريمة.
تعتبر البیئة نظاما تفاعلیا معقدا، فیه كثیر من المكونات التفاعلیة، وإن معرفتنا بھذه المكونات، وبالتفاعلات فیما بینھا، وبالعلاقات بین الناس، والموارد، والبیئة، والتنمیة، قد مرت بتطور عمیق في العقدین الماضیین. وندرك الآن أنه ما لم تسترشد التنمیة بالاعتبارات البیئیة والاجتماعیة والثقافیة والأخلاقیة، فإن كثیرا منھا سينتج عنها نتائج غیر مرغوبة، وقد توفر فوائد قلیلة فقط، أو حتى تفشل تماما.
و لم
تبرز إشكالية العلاقة بين البيئة و التنمية إلا منذ فترة قصيرة نسبيا، و
يرجع ذلك للعديد من الأسباب، على رأسها حداثة مفهوم البيئة نسبيا، كما أن
الالتفات إلى علاقة ذلك المفهوم بغيره مما حوله من مظاهر الحياة، لم تكن
على ذلك النحو من العمق و النضج الذي كشف عن التقدم العلمي فيما بعد و إن
كان ذلك معروفا على مستوى العالم الصناعي المتقدم.
أدى
النمو المتواصل للنشاط الاقتصادي و ما صاحبه من تطور تكنولوجي و ابتكار
تقنيات حديثة لاستغلال الموارد الطبيعية إلى التأثير على البيئة، و أصبح
التلوث البيئي من بين الآفات الخطيرة التي يعاني منها العالم، بحيث تفاقمت
مخاطره و تعددت مظاهره مع انتقال أثاره إلى كافة الدول، و يتجلى التدهور
البيئي في ارتفاع مستويات التلوث مما أدى إلى اتساع ثقب الأوزون و تفاقم
ظاهرة الاحتباس الحراري.
و
الملفت للانتباه، أن العالـم يقف اليـوم أمـام قضية اختلال التـوازن
البيئي كما لـو كانت مشكلة فجائية لـم تنجم عن تراكم ممارسات خاطئة و جشعت
على امتداد أزمنة طويلة، و هكذا فإن قضية البيئة جعلت الإنسـان وجها لوجه
قبالة الحقيقة التي يريد أن يطويها بمسوغات لا أسـاس لهـا مثل: ضرورات
التنمية، و تلبية الاحتياجات، و هذه المسوغات – بالتأكيد لا تصمد طويلا حين
تتم موازنتها بالثمن الفادح الذي تدفعه البشرية اليـوم.
إن
البيئـة الطبيعيـة وحدة واحدة لا تحدها حدود، فهي تثير العديد من
الإشكاليات بالنظر إلى الاعتبارات الاقتصادية و السياسية ، و القانونية و
الاجتماعية ، التي تحيط بالمشكلة، و نظرا للتحديات بين أهل الشمال
التقني(الدول المتقدمة) و أهل الجنوب الفقير(الدول النامية) حول تحمل نتيجة
التلـوث البيئي.
و مـن هـذا المنطلـق، ارتأينـا أن نتناول في بحثنا المتواضع الانعكاسات البيئية على كل من التنمية الاجتماعية و الاقتصادية من خلال العلاقة بين البيئة و التنمية و من ثم التعرض إلى التلـوث المدمــر للبيئـة و ما يواجه البشرية من مخاطر جسيمة.
و من
أجـل تنـاول إشكالية البحث تناولا علميـا، لابد من الحصول على أدوات فكرية
تمكننا من التحليل العلمي الدقيق المنضبط، و لما كان موضوع الدراسة ينصب
على الآثار الاقتصادية و الاجتماعية لتلوث البيئة خاصة وما يتوجب علينا أن
نقف على مدلول محدد لماهية البيئة و مفهومها و مشكلاتها، ليتسنى لنا معرفة
المفهوم الذي يمكن استخدامه في الدراسـة و من هنا يمكن طرح الإشكالية
الرئيسية :
كيف تؤثر أو ماهي التداعيات
البيئية على التنمية الاقتصادية و الاجتماعية؟ أيمكـن أن يكون لعمليات
التنمية الاقتصادية و الاجتماعية دور في تعميق المشكلة البيئية بصفة عامـة ؟
الأسئلة الفرعية:
تنبثق عن الإشكالية الرئيسية مجموعة من التساؤلات الفرعية منها:
- كيف يمكن أن نعطي مفهوما للبيئة و التنمية و تحديد العلاقة بينهما؟
- فمـا هي مشكلة التلوث البيئي؟
- ما هي الأبعاد الاقتصادية و الاجتماعية لمشكلة التلوث؟
- كيف يمكن أن تتحول السياسة الاقتصادية إلى سياسة تراعي الجانب البيئي؟
أهمية البحث:
تكمن
أهمية البحث في محاولة معالجة موضوع أثر تلوث البيئة على التنمية
الاجتماعية الاقتصادية و ما توفره هذه الأخيرة من سلبيات على الإنسان و
البيئة و تسليط الضوء على كيفية تأثير البيئة في التنمية الاقتصادية و
كذا على الموارد الطبيعية و التطرق أيضا إلى الأخطار و التهديدات الناجمة
عن هذا المشكل و محاولة الوصول إلى استنتاجات مصدرها درجة استجابة إرادة
تلك القطاعات الاقتصادية و الاجتماعية،
تقسيمات البحث:
طبقا
للإشكالية العامة للبحث و التساؤلات المختلفة المترتبة على الإشكالية
العامة، فقد حددنا تقسيمات البحث من خلال خطة تشمل فصلين، أما الفصل الأول
مفاهيم عامة حول البيئة و التلوث البيئي من خلال مبحثين: أما
المبحث الأول فسنتناول فيه المفهوم العام للبيئة من خلال مطلبين، المطلب
الأول كان بعنوان مفهوم البيئة و مكوناتها، أما المطلب الثاني سنتطرق فيه
إلى البيئة و مشكلاتها (الانفجار السكاني و التلوث بمختلف أنواعه و استنزاف
موارد البيئة بالإضافة إلى الضجيج).
المبحث
الثاني بعنوان الإطار العام للتلوث البيئي سنتناوله من خلال مطلبين، أما
في المطلب الأول سنتناول فيه مفهوم التلوث البيئي و أشكاله، و المطلب
الثاني: عوامل انتشار التلوث البيئي.
أما
في الفصل الثاني الذي كان بعنوان التداعيات البيئية على التنمية الاقتصادية
و الاجتماعية سنتناوله من خلال ثلاثة مباحث: أما الأول فسنتطرق فيه إلى
علاقة البيئة بالتنمية الذي نحاول فيه ربط البيئة بالتنمية من خلال التعرض
إلى التنمية الاقتصادية الذي هو عنوان المطلب الأول ثم في المطلب الثاني
العلاقة بين البيئة و التنمية الاقتصادية.
في المبحث
الثاني سنتناول الآثار الاجتماعية للتلوث البيئي و كذا في مجال الخدمات
السياحية، أما المبحث الثاني فسنبحث فيه الآثار الاقتصادية للتلوث البيئي (
القطاع الزراعي و الصناعي و العنصر الحيواني).
خطة البحث
المقدمة العامة
الفصل الأول: مفاهيم عامة حول البيئة و التلوث البيئي
المبحث الأول: المفهوم العام للبيئة
المطلب الأول: مفهوم البيئة و مكوناتها
المطلب الثاني: البيئة و مشكلاتها
المبحث الثاني: الإطار العام للتلوث البيئي
المطلب الأول: مفهوم التلوث البيئي و أشكاله
المطلب الثاني: عوامل انتشار التلوث البيئي
الفصل الثاني: التداعيات البيئية على التنمية الاقتصادية و الاجتماعية
المبحث الأول: علاقة البيئة بالتنمية
المطلب الأول: التنمية الاقتصادية
المطلب الثاني: علاقة البيئة بالتنمية الاقتصادية
المبحث الثاني: الآثار الاجتماعية للتلوث البيئي
المبحث الثالث: الآثار الاقتصادية للتلوث البيئي
الخاتمة العامة.
|
الفصل الأول: مفاهيم عامة حول البيئة و التلوث
المبحث الأول: المفهوم العام للبيئة
كان فیما مضى یُنظر إلى البیئة من جوانبھا الفیزیائیة والبیولوجیة، ولكن أصبح ینظر إلیھا الآن من جوانبھا الاجتماعیة والإنسانیة والاقتصادیة والثقافیة، لذا نجد أنه من الصعب إعطاء مفھوم أو تعریف محدد لھا جرّاء تعدد واختلاف المفاھیم المستخدمة، وإذا كانت الجوانب البیولوجیة والفیزیائیة تشكل الأساس الطبیعي للبیئة البشریة، فإن جوانبھا الاقتصادیة والاجتماعیة والثقافیة ھي التي تحدد ما یحتاج إلیه الإنسان من وسائل فكریة وتكنولوجیة وتوجیھات لفھم الموارد الطبیعیة، واستخدامھا بطریقة سلیمة لا تتسبب في إحداث مشاكل في بیئة كوكبنا من جھة، ومن أجل توفیر العنایة اللازمة لھا من جھة.
المطلب الأول: مفھوم البیئة و مكوناتها:
البیئة كلمة مأخوذة من المصطلح الإغریقي OIKOS والذي یعني بیت أو منزل(1)، وھو مصطلح واسع المدلول یشمل كل شيء یحیط بالإنسان.
وللبیئة تعاریف متنوعة ومختلفة، وذلك لتعدد المفاھیم المستخدمة لھذا المصطلح في كل فرع من فروع العلوم المختلفة، ویعرف كل باحث، في كل واحد من ھذه الفروع العلمیة، البیئة وفقا لرؤیته الصادرة عن زاویة تخصصه الدقیق. ونظرا لتباین مفاھیم البیئة، سنحاول توضیح أھم تعاریفھا: » تشمل البيئة العنصر الطبیعي بجوانبھ الفیزیقیة والبیولوجیة والعنصر الصناعي وبتفاعلھما ینشأ الوسط الذي نعیش فیه على أي من صوره وأنماطھا الخارجیة والداخلیة (اقتصادیة، سیاسیة،طبیعیة، مادیة، نفسیة، اجتماعیة، ثقافیة، وتربویة) والتفاعل الناجح مع البیئة یساعد على فھم العلاقات المتبادلة من قیم و اتجاھات ومھارات وخبرات یتكامل في إطارھا نظام بیئي تترابط عناصر بعضھا البعض « ( 2)
ویقول آخرون أن البیئة ھي الوسط الذي یشمل مختلف الجوانب التي تحیط بالإنسان من أحیاء وجماد، أي كل ما ھو خارج كیان الإنسان بوضعه الفطري والطبیعي السلیم، فالھواء یتنفسه والماء یشربه والطعام وما تجود الأرض له یأكله أو ما ینتج من النبات والحیوان من مأكل وملبس ومما ینشأ منھا ھو مسكنه وطاقته (1)
ویرى كوبر COOPER أن الإطار البیئي یتكون من ثلاثة عناصر متداخلة مع بعضھا ھي: البیئة ، كمصدر للترفیه والتمتع بالمناظر الطبیعیة، والبیئة كمصدر للموارد الطبیعیة، والبیئة كمستودع لاستیعاب المخلفات (.2 )
كما اتجه البعض الآخر إلى تعریف البیئة بأنھا الوسط أو المجال المكاني الذي یعیش فیه الإنسان، بما یضم ظواھر طبیعیة وبشریة ویتأثر بھا ویؤثر فیھا. (3)
ویذھب البعض إلى تعریف البیئة بأنھا كلمة لا تعني شیئا لأنھا تعني كل شيء (4)
أما مفھوم البیئة وفقا لمؤتمر ستوكھولم الذي عقد في السوید تحت مظلة الأمم المتحدة عام 1972 ، فیمكن القول أنه كان ھناك شبه اتفاق بین الكثیر من المھتمین بالدراسات البیئیة، على أن البیئة ھي الإطار الذي یشمل جمیع عناصر الحیاة التي تحیط بالإنسان(5).
ولم یختلف كثیرا المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغوي، فجل التعریفات تشیر إلى أن البیئة ھي ذلك الإطار الذي یحیا فیه الإنسان ویحصل منه على مقومات حیاته، ویمارس فیھا علاقاته مع بني البشر.
2ــ مكونات البيئة: مـن خلال مؤتمر استوكهولم 1972، نستكشف المفهوم الشامـــل و الواســع للبيئــة و بالتالي يمكن تقسيم البيئة إلى قسمين مميزين هما:
- العنصر الطبيعي، ويسمى بالبيئـة الطبيعيـةnaturel environment) ) و يقصد بها كل ما يحيط الإنسـان من عناصر طبيعية و ليس له أي دخل في وجودها مثل: المـاء و الهـواء و التربـة (1).
كمـا
يقصـد بهـا كـل مـا يحيـط بالإنســان مـن ظواهــر حيـة و غيـر حيــة و
ليـس للإنسـان أي أثـر في وجودهـا، و تتمثـــل هـذه الظواهـر و المعطيـات
البيئيـة فـي التضاريس و المناخ و التربـة و النباتـات و الحيوانـات و لاشك
أن البيئة الطبيعية هذه تختلف من منطقة إلى أخرى تبعا لنوعية المعطيات
المكونة لهـا (2)
- العنصر البشري و يسمى بالبيئة البشريةeumon environment ) )
و يقصد بها الإنسان و إنجازاته التي أوجدها داخل بيئته الطبيعية، فالإنسان
كظاهرة بشرية يتفاوت من بيئة لأخرى في درجة تحفزه و تفوقه العلمي و
سلالاته، مما يؤدي إلى تباين البيئات البشرية.
و قد قسم سناد جروس، و ولاس snadgross wallace الإطــار البيئـي إلـى جزئيـن:
أ- جــزء طبيعــي: كالأرض و المـاء و الطاقـة الشمسية و المعادن و النباتـات.
ب- جـزء تنظيمـي:
يتمثل في التشريعات و التنظيمات التي يضعها الإنسـان بغرض تنظيم استخدام
البيئة الطبيعية في إنتـاج السلع و الخدمات التي تلبي متطلبات المجتمع و
حاجاته.
أما راو ووتـون، فقد قسم الإطار البيئي إلى أربع مجموعـات هـي:
البيئــة الطبيعيـة:
الأرض، الظـروف المناخية، النبـات و الحيـوان، موارد الطاقة، المجاري
المائية، بالإضافة إلى مستويات التلوث الطبيعية و مصادرها المختلفة و
علاقتها بالحيـاة (3)
(1البيئـة الاجتماعيـة: و تشتمل علـى الخصـائص الاجتماعية للمجتمـع و حجمـه و توزيعه علاوة على الخدمات الاجتماعية (النقـل- الثقافـة- السياسـة- الصحـة) .
وكذا >> التوقعـات
الاجتماعيـة و أنمـاط التنظيم الاجتماعي و جميع مظاهـر المجتمع الأخـرى و
بوجـه عـام، تتضمن البيئـة الاجتماعيـة أنمـاط العلاقـات الاجتماعيـة
القائمـة بيـن الأفـراد و الجماعـات التـي ينقسـم إليهـا المجتمـع ، تلك
الأنمـاط التـي تؤلـف النظـم الاجتماعيـة و الجماعـات في المجتمعـات
المختلفـة << (1) .و تشتمـل علــى: المنتـزهـات العامـة،و المناطـق الترفيهيـة و المساحـات الخضـراء.
البيئـة الاقتصاديـة:
و تشتمـل علـى الأنشطـة الاقتصادية المختلفـة و عنـاصر الإنتـاج المختلفة
مثـل: رأس المـال و التكنولوجيا و العمالـة و الأرض، و مـــا يتـرتب علــى
ذلك من دخـول قومية و فردية تؤثر على الرفاهية الاقتصادية (2)
البيئــة الثقافيــة:
و يعنـي بهـا الوسط الذي خلقـه الإنسـان لنفسه بما فيه من منتجات مادية و
غير مادية من أجل السيطرة على بيئته الطبيعية، و خلق الظروف الملائمة
لوجوده.
" و
عليـه فإن البيئة الثقافية تتضمن الأنماط الظاهرة و الباطنة للسلوك
المكتسب عن طريـق الرمـوز، الـذي يتكـون في مجتمع معين من علوم و معتقدات و
فنـون و قوانين و عـادات و غيـر ذلك. (3) أما الحكم على غنى أو فقر البيئة الثقافية لشخص معين فهو حكم نسبي.
و
هنـاك عـدة تصنيفـات لإطار البيئة، و لكنها كلها تشترك في العناصر السابقة
الذكر، أضف إلـى ذلـك التصنيف الـذي يضيف المحيط المصنوع أو التكنولوجي " و
يتألف من كافة ما أنشأه الإنسان في البيئة الطبيعية باستخدام مكوناتهـا
سـواء المستوطنات البشريـة و المراكـز الصنـاعية و الطـرق و المواصلات و
المشاريع الزراعية و الآلات و غير ذلك (4).
و
مـن خلال ما تم ذكره عن البيئة و مكوناتها يتبيـن أنها مجموع العوامـل
الطبيعيـة و الثقافيـة و الإنسانية التي تؤثر في الكـائنات الحية و هي كـل
الأمـور التـي تحيط بالإنسان مـن: الميـاه و الأرض و مـا عليهـا و ما
بداخلهـا، و كـذا الكائنـات الحية الحيوانية و النباتية و الكائنـات
الدقيقـة.
المطلب الثاني: البيئة و مشكلاتها
إن
الوصول إلى مفهـوم محدد لمصطلح البيئة، أمـر له أهمية في هذه الدراسة،
بحيـث أنـه يمكننـا مـن الحصول علـى أداة فكريـة أساسية للتحليـل و
التحميص، و لكنه الأمــر الذي لا يمكن الوصول إليه إلا من خلال تناول
المفاهيم المختلفة لهذه الكلمة عند مختلف الاتجاهات الفكرية.
إن
النشاط الاقتصادي بصفـة عامة يتم أو يجري داخل إطار محـدد زمانــا و
مكانــا و هـو ما يعني أنه يتأثـر بالبيئـة الطبيعية التي تمثل الإطار
العام للمجتمع الذي يمارسه ســواء كـان هــذا النشاط زراعيا أو صناعيـا أو
فـي مجـال الخدمــات ،هـذا النشــاط الاقتصادي و إن كـان يتأثر وفق ـ
لمفهوم البيئة بمجموعة المعطيات الاقتصاديـة و الاجتماعية و التاريخية فإنه
يعود ليؤثر بـدوره فيها بما يخلق نوعا من العلاقـة التبادليـة بينهما،
بحيـث يؤثـر كـل منهما في الآخر و يتأثر بـه. (1)
و نستطيع حصر المشكلات البيئية من حيث أهميتها و خطورتها إلى ثلاث مشكلات هـي:
- أولا: مشكلـة الانفجـار السكانـي.
- ثانيـا: التلـوث بمختلف أنواعـه.
- ثالثـا: استنزاف مـوارد البيئـة.
و نضيف إلى ذلك مشكلة الضجيج الذي يعتبر عدو الإنسان الأول.
أولا: مشكلة الانفجار السكاني: إن
المشكلـــة السكانيــة كمـا يراها المالتسيــون (المنظور البيئي
الايكولوجي) تعبر عن سياق غيــــر متكافـىء بــين نمــو السكـان مــن جهـة و
بين المـوارد المحدودة من جهـة أخرى، في حين أن أصحاب المنظور الاقتصادي
السياسي يرون بأن المشكلة السكانية عبارة عن سباق بين النمو السكاني
المرتفع و بين الجمود.
وتخلف
التشكيلات الاجتماعية المهيمنة في البلاد النامية التي عجزت عن تحقيق
التقـدم الاقتصادي الاجتماعي لشعوبها على النحو الذي يوفر الغذاء والكساء
والتعليم والخدمات الصحية وفرص العمل الشريف لكل مواطن قادر على العمل،
فالمشكلة السكانية بهذا المعنى قضية صراع ضد هذه التشكيلات ومؤسساتها
وعلاقتها الداخلية والخارجية.
و من هنا "
فإن من الواضح أن هناك تزايدا في حجم السكان، يصاحبه تزايد آخر في حجم
المعاناة الإنسانية، و إن كان ذلك متمركزاً في بلدان العالم النامي الذي
يضم حوالي 70% من سكان العالم . و إذا ما أمعنا النظر في ملامح الصورة
الراهنة لسكان البلاد النامية فسوف تنكشف لنا سريعا تلك الظلال القاتمة
التي يتم في طياتها ذلك النمو السكاني المرتفع الذي تشهده. (1)
2- مشكلــة التلــوث بمختلف أنواعه:
إذا حاولنا دراسة هذه المشكلة في إطار النشاط الاقتصادي فإن العلاقة بين
هـذا الأخيـر و البيئـة " هي أمـور تتغير بصورة مستمرة، و من ثم فإن
الابتكار التكنولوجي و التغير الهيكلي اتجاه الحد من الضرر البيئي – و إذا
كان بطبيعة الحال يؤدي إلى التوسع والزيادة في النشاط الاقتصادي، إلا أنه
في الوقت ذاته تجعله قادرا على التصدي لهذا الضرر. (2)
فالنشـاط الاقتصـادي يمكن أن يتسبب في إيجاد مشكلات بيئية، كما أنه يمكن أن يساعد على التصدي لهذه المشكلات.
3- استنـزاف مـوارد البيئــة: لقـد
أدى تزايـد عدد السكان في العالم " و بالتحديد في دول العالـم النامي في
سعي الإنسـان للحفاظ على حياتـه فقـد اتجـه إلـى استنفـاد و استنـزاف ما في
البيئة من مواد و طاقات، و بخاصة استنزاف المـوارد البيئية غير المتجددة، و
قد تنبهت معظم المجتمعات البشرية و الهيئات الدولية و المحلية الحكومية و
الأهليـة و المحافـل العلميـة البيئية إلى خطورة ، مشكلة الانفجار السكاني و
استنزاف الثروات البيئية بطريقة عشوائية غيـــر منظمة
4 - مشكلــــة الضجيـــج: "
إن أكثر من 65 مليون شخص في الدول الصناعية يعانون من أعراض صحية خطيرة
أثبت أن سببها الرئيسي هو الضجيج الذي يفوق طاقة الإنســان على التحمل ،و
يكثـر انتشـار هـذه المشكلـة في الـدول الصناعية الكبـرى،وفـي المناطق
الصناعية " و اليابانيون هم الأكثر تأثرا بالضجيج الصناعي، و الناتج عن
النقل البري و الجـوي كما أن الطائرات الأسرع من الصوت تتسبب بموت الآلاف
من سكان الأرض سنويا. (1)
و
نلخص مما تقدم إلى أن هذه المشكلات البيئية التي تحدثنا عنها بصورة موجزة
مرتبطة أيما ارتباط بطبيعة النشاط الاقتصادي، فهي تؤثر و تتأثر به ،إذ كما
أنه يتسبب في إيجاد المشكلات البيئية يمكن أن يساعد على التصدي لها.
و في خلاصة حديثنا عن هذا
العنصر نقـول " إن التكنولوجيا المنظفة للبيئـة، قـد هيأت في الآونة
الأخيرة مناخا للتطور الاقتصادي أقل ضررا للبيئة مما كان ممكنا من يواجـه
العالـم بصفة عامـة ، و الجزائر بصفة خاصة مشاكل خطيرة من حيث تدهور البيئة
و ضياع الموارد الطبيعية، فالمؤشرات تنذر بالخطر ، و تدعو إلى القيام
بأعمال عاجلـــة و اختلال التوازنات الطبيعية الكبرى، يوشك أن يفضي بنا إلى
كارثة ايكولوجية و اقتصادية، يجب أن تكون حماية البيئة جزءا مكملا للتنمية
في حد ذاتها.
المبحث الثاني: الإطار العام للتلوث البيئي
يعتبر
التلوث البيئي من أخطر الظواهر التي يشهدها العالم و الذي انعكس سلبا على
مختلف القطاعات، مما يقتضي ضرورة مكافحة هذه الظاهرة، و ذلك من خلال تدخل
الدولة لحماية البيئة.
المطلب الاول: مفهوم التلوث البيئي و أشكاله:
يرتبط
التلوث البيئي باختلال النظام الايكولوجي حيث أن كفاءة هذا النظام تنخفض
عند حدوث تغير في الحركة التوافقية للعناصر المكونة له.
1- مفهوم التلوث البيئي : حدوث تغير أو خلل في الحركة التوافقية التي تتم بين مجموعة العناصر المكونة للنظام الايكولوجي بما يفده القدرة على إعالة الحياة. (1)
و
يترتب على ذلك عدة أضرار بالنظام البيئي و التي تنتج عن سلوك الانسان في
سعيه لتعظيم اشباعه المادي من خلال تكثيف استغلاله للبيئة كمصدر للموارد
المادية و كوعاء لالقاء نفاياته.
يعرف
المشرع الجزائري التلوث البيئي على أنه: كل تغيير مباشر أو غير مباشر
للبيئة، يتسبب فيه كل فعل يحدث وضعية مضرة بالصحة و سلامة الانسان و النبات
و الحيوان و الهواء و الجو و الماء و الارض و الممتلكات الجماعية و
الفردية. (2)
من الناحية الاقتصادية
يعتبر التلوث البيئي نوعا من أنواع فشل السوق في تحقيق و تخصيص الموارد الى
عدم الاخذ بعين الاعتبار الاثار الخارجية للمنافع و التكاليف الخارجية. (3)
2- أشكال التلوث البيئي:
يمكن تصنيف التلوث البيئي الى أربع أشكال رئيسية هي: التلوث الهوائي، التلوث المائي، التلوث الأرضي و التلوث السمعي.
التلوث الهوائي: يشكل الهواء من أهم الموارد البيئية حيث
لا يمكن لاي كائن حي الاستغناء عنه، من أكثر اشكال التلوث البيئي انتشارا
لسهولة انتقاله من منطقة الى أخرى و خلال فترة زمنية قصيرة، و يعرف المشرع
الجزائري التلوث الهوائي على أنه: ادخال أية مادة في الهواء و الجو بسبب
انبعاث غازات أو ابخرة أو أدخنة أو جزيئات سائلة أو صلبة من شأنها التسبب
في أضرار و أخطار على الاطار المعيشي. (1)
و
يحدث التلوث الهوائي عندما تتواجد جسيمات في الهواء بكميات كبيرة بحيث لا
تستطيع الدخول في النظام البيئي و تشكل ضررا على العناصر البيئية.
التلوث المائي: يمثل الغلاف المائي أكثر من 70% من
مساحة الكرة الارضية، و تكمن أهمية المياه في كونها مصدر هام و ضروري
للحياة و أي ضرر يلحقها سيهدد استمرارية الحياة، و نقصد بالتلوث المائي
احداث خلل و تلف في نوعية المياه بحيث تصبح غير صالحة للاستعمال، و يعره
المشرع الجزائري على أنه: ادخال اية مادة في الوسط المائي من شانها أن تغير
الخصائص الفيزيائية و الكيميائية و البيولوجية للمياه، و تسبب في مخاطر
على صحة الانسان، و تضر بالحيوانات و النباتات البرية و المائية و تمس
بجمال الموقع أو تعرقل أي استعمال طبيعي اخر للمياه. (2)
و
لقد أصبح التلوث المائي ظاهرة منتشرة في العالم نتيجة لحاجة التنمية
الاقتصادية المتزايدة للمواد الاساسية و التي يتم نقلها عبر البحار، كما أن
معظم الصناعات توجد على سواحل البحار.
التلوث الارضي: تشكل
الارض أساسيا للغذاء و مجال للتهيئة العمرانية مما يقتضي ضرورة لحمايتها
من التلوث و التدهور، الا أن زيادة استخدام المبيدات و الاسمدة يؤثر سلبا
على انتاجية الارض خاصة الاسمدة النيتروجينية التي تؤدي الى تلوث التربة
بالمواد الكيميائية و تدهور مقدرتها البيولوجية، كما أن زيادة النشاط
الصناعي أدى الى زيادة النفايات الصلبة و التي قد تلقى على الارض أو تدفن
في باطنها، مما يؤثر سلبا على الانسان و الحيوان و النبات.
التلوث السمعي: لقد
أصبحت الضوضاء مشكلة بيئية خطيرة لما تسببه من أخطار نفسية و صحية، و
يرتبط التلوث السمعي بالمناطق الحضرية و الصناعية أين يتزايد استخدام
المعدات و المركبات و الالات التكنولوجية الحديثة و يقصد بالتلوث السمعي
مزيج من المعلومات و الاصوات غير المتجانسة و غير المرغوبة ذات طاقة تؤثر
على قدرة الوعي لتمييز المعلومات و الاصوات و تسيئ الى صحة الاجهزة السمعية
و تؤثر على مهام الجهاز العصبي. (1)
و تسبب
الضوضاء في التوتر الانساني بالاضافة الى الضغوط المؤثرة على النشاط العضلي
الفكري للعمال مما يؤدي الى تخفيض قدرتهم الانتاجية.
و من مظاهر تلوث البيئة ما يلي: (2)
- ارتفاع درجة حرارة الارض
- تدهور الكائنات الطبيعية
- تاكل طبقة الاوزون
- تدهور التربة و نوعية المياه
المطلب الثاني: عوامل انتشار التلوث البيئي
لقد
ارتبطت إشكالية تدهور البيئة في الجزائر بطبيعة السياسات التنموية
الاقتصادية و الاجتماعية المنتهجة منذ الاستقلال إلى غاية نهاية الثمانينات
حيث أهملت الاعتبارات البيئية في المخططات التنموية مما أدى إلى تفاقم
التلوث لقد ارتبطت إشكالية تدهور البيئة في الجزائر بطبيعة السياسات
التنموية الاقتصادية و الاجتماعية المنتهجة منذ الاستقلال إلى غاية نهاية
الثمانينات حيث أهملت الاعتبارات البيئية في المخططات التنموية مما أدى إلى
تفاقم التلوث الصناعي و تدهور الاطار المعيشي للافراد، بالاضافة الى مخاطر
التصحر و تدهور الغطاء النباتي، و خلال التسعينات شهدت الجزائر اصلاحات
اقتصادية من خلال الانتقال الى اقتصاد السوق و السعي الى الاندماج في
الاقتصاد الدولي، و رغم ادراك الحكومة باهمية البيئة الا أنه تفاقم حدة
التلوث البيئي و ذلك راجع الى عدة عوامل تتمثل فيما يلي:
- اهمال قضايا البيئة في
البرامج التنموية، منذ الاستقلال الى غاية الثمانينات اهتمت الدولة
الجزائرية بعمليات التنمية الاقتصادية و الاجتماعية الا أنها أهملت قضايا
البيئة بحيث لم تدرج ضمن المخططات التنموية.
- قيام
صناعة تعتمد على الاستهلاك المكثف للطاقة، تمتلك الجزائر ثروة نفطية و غاز
طبيعي هام، مما أثر على النمط الصناعي الذي يعتمد على الاستهلاك المكثف
للطاقة مثل قطاع الحديد و الصلب و قطاع البتروكيمياء و ترتب على ذلك تلوث
البيئة الهوائية نظرا لانبعاث الغازات الناتجة عن احتراق الطاقة المستخدمة
في هذه الصناعات، و قد تفاقم الوضع خطورة مع غياب أجهزة
التحكم من انبعاثات الغازات، و تشكل الانشطة الصناعية من أكثر الانشطة
تلويثا للبيئة بحيث تعمل الصناعة على تحويل الموارد الاقتصادية من صورة غير
ملوثة للبيئة الى صورة أكثر تلويثا للبيئة و ذلك من خلال الغازات و
النفايات الصناعية. (1)
- ضعف
مستويات جمع و تسيير النفايات، تتكفل الجماعات المحلية بجمع النفايات
المنزلية على مستوى البلديات. و من أهم العوامل التي أدت الى ذلك عدم وجود
استراتيجية للتخلص من النفايات الحضرية و الصناعية وفق المعايير التي تراعي
مقتضيات حماية البيئة. (2) بحيث تلجأ المصالح المعنية الى حرق النفايات و عدم وجود عملية رسكلة النفايات و الاستفادة منها.
- ضعف برامج اعادة التطهير و استغلال مياه الصرف و نقص الغلاف المالي المخصص لها مما ادى الى تفشي الاوبئة المتنقلة عن طريق المياه.
-سوء
استغلال موارد الطاقة من خلال زيادة استهلاك الطاقة الملوثة و كذلك نقص
الاعتماد على مصادر الطاقة الغير ملوثة المتمثلة في الطاقة الشمسية و
الطاقة الكهربائية المستخرجة من الرياح.
- النمو
الديمغرافي بحيث توسع العمران أدى الى تقليص الغابات و الاراضي الزراعية،
بالاضافة الى تركيز غاز ثاني اكسيد الكاربون في الجو نتيجة استهلاك الطاقة.
خاتـمـة الفصـــل
فــي
دراستنــا لهـــذا الفصــل، قـــد لمسنـــا – إلـــى حــد مـا – الأثـــر
الاقتصـــادي وغيـــر الاقتصــادي لنمــو العولمــة مــن الناحيــة
التجاريــة والماليـــة ، والتحــول الاقتصــادي ومشاكــل البيئـــة .
ونتيجـــة
لهـــذه الزيـــادة المفرطـــة فــي استغــلال المــوارد الطبيعيــة، و
بالإضافـــة إلـــى عولمـــة التجـــارة. فــإن البيئــة والتجــارة
والتقـــدم أدى إلـــى اقتصــاد متشـــابك، وظهـــور مصـــادر ملوثــات
البيئة مــن الغـــازات المختلفـــة الناتجـة عــن الصعوبـــات الزراعيـــة
التــي زادت فـــي المشاكـــل البيئيـــة .
الفصل الثاني: التداعيات البيئية على التنمية الاقتصادية و الاجتماعية
أصبحـــت
قضيـــة البيئــــة تهـــم الجميـــع الأفـــراد والجماعـــات، لمـــا
لهـــا مـــن انعكاســـات علـــى كافــــة الكائنــــات الحيـــة بمــــا
فيهـــا الإنســــان، والكــــل اجتمــــع علــــى رأي واحـــد هـــــو أن
سبــــب تدهورهـــــا هـــــو الإنســــان ذلــــك مـــــن خــــلال
السياســـــات المنتهجــــة مــــن قبلـــه.
المبحث الاول: علاقة البيئة بالتنمية الاقتصادية
المطلب الأول: التنمية الاقتصادية:
إن التنمية الاقتصاديــة هــي عمليــة متواصلة، تساهم في زيادة الدخل القومي للبلاد إلا
أن الزيادة المطردة في المكان ، و المنافسة الشديدة بين الأنشطة المختلفة ،
و عوامــل التلــوث البيئـي ، و الإسراف في استخدام الموارد الاقتصادية ،
تشكل جميعها قاعدة التحديات التي تقف فـي مواجهتها مجموعة من الأهداف
،والتي تتمثل فـــي المحافظة علــى هاته الموارد المتوفــرة و تنميتهــا، و
العمل على زيــــادة كمياتها و الحـــد من التلــوث و تحسيــن نوعيتها.
و الطلب
على مورد معين إنما هو طلب مشتق من الطلب على المنتجات النهائية الجاهزة
للفائدة البشرية ، و المنتجة من هذا المورد ، فمثلا البترول في صورته
الأولية ربما لا يصلح للإشباع البشري ، و لكن بعد سلسلة من
العمليات الاقتصادية يصير اشتقاق العديد من المنتجات البترولية التي يطلبها
الإنسان سواء لاستعمالها كوقود لسيارته ، أو للتدفئة أو لتوليد الكهرباء.
ومن هنا
فإن طلب مورد معين ، يتحدد بزيادة أو بنقص مدى تقدم المعارف العلمية
البشرية والتي يترتب عليها إما زيادة الحاجة إلى مورد معين ، وذلك بتقديم
العديد من الخدمات والسلع الجديدة، التي تتطلبها ، وإما بالنقص وهذا ينتج
عن اكتشاف بديل أقل تكلفة.
ففي الجزائر مثلا بعد مضي ثلاثين عاما من مباشرتها لاستغلال ثرواتها المنجمية والنفطية وتسييرها بنفسها وعقب
عشرين سنة من إعدادها الإطار القانوني للبيئة 1983، وبعد انقضاء عشر سنوات
على انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة حول البيئة والتنمية في ريو ديجانيرو-
بالبرازيل- تواصل مواجهة تحديات حاسمة ، فقد أضيفت إلى نظام تسيير ممركز لا
ينشد مقاييس الفعالية الاقتصاديـة زد على هذا ، النمو
الديمغرافي والتعمير الجامح و المتصارع واستنزاف الموارد الطبيعية
والاقتصادية وعواقب التصنيع غير المتحكم فيه ، مما أدى إلى أزمة اقتصادية
واجتماعية وبيئية غير مسبوقة .
المطلب الثاني: علاقة البيئة بالتنمية الاقتصادية
العلاقة
بين التنمية والبيئة تظهر من خلال الموارد الطبيعية ، في كيفية استعمالها
والمقادير المناسبة في المشاريع التنموية، فإذا تمت بطرق جائرة ستؤدي إلى
تدهور البيئة مستقبلا والمتمثل في فقدان بعض الموارد أو قلتها، وعدم خصوبة
الأراضي وزيادة التصحر، وتلوث المياه والهواء وغيرها من المشاكل السالفة الذكر.
لأن الدراسات الاقتصادية والتنموية اهتمت بالموارد النادرة وأهملت الموارد الحرة كالماء والهواء ، واعتبرتها هذه
الأخيرة ليست لها قيمة تبادلية سوقية ( أو منخفضة جدا ) ومن ثم فهي تستهلك
دون قيود أو ضوابط، لكن بعد ذلك تغيرت النظرة إلى هذه الموارد، لما سببت
أضرارا جسيمة للكائنات الحية ( خصوصا الإنسان ) من جراء الاستعمال المفرط
لها، وتغيرت النظرة الاقتصادية إلى هذه الموارد الحرة، إذ أصبح ينظر إليها
من جانب قيمتها الاستعماليــة نظـــرا لأن التلوث يسبب انخفاضا كبيـرا لهذه
القيمة مما يترتب عليه تكاليف باهظة سواء لإزالـة التلوث أو لإيجاد البديل
لهذه القيمة.
وقـد
ظهـرت العلاقــة بيـن النمو الاقتصـادي والبيئـة منـذ أكثـر من ثلاثيــن
(30 سنـة)( الثمانينيات من القرن الماضي ) لكن مفهوم البيئة المستديمة ظهر
بوضوح أكثر سنــة 2002 من خلال قمة جوهانزبورغ.
وأعدت
جامعة الدول العربية دراسات عن برامج التنمية المتواصلة مثل برنامج مكافحة
التلوث الصناعي و برنامج التوعية والتربية والإعلام البيئي، المستوطنات
البشريـــة وتأثيرها على البيئة.
وما يزيد
في مخاطر التلوث وشدة تعقيداتها هو انتشارها في كل مكان من العالم،
فالهواء والمياه متصلان مع بعضهما بعض،لا تعترف بحقوق الملكية مما نجم عن
ذلك ظهور مفهوم الخسائر الاقتصادية الخارجية ( أو الآثار الانتشارية) التي
يتسبب فيها أطراف، ويتحملها آخرون،أي هناك إعادة توزيع الدخل بالطريقة العكسية التي من المفروض أن تحدث
(1) د: محمد آدم، الأبعاد الاقتصادية والإنسانية لمشكلة تلوث البيئة، مجلة النبأ ، العدد 63 ، تاريـخ الإطلاع 22/02/2006.
فالمنتجون يتسببون
في تلويث البيئة ويتحمل أضرارها المستهلكون الذين لم يكونوا طرفـــا
فيهـــا (عادة ما يكونون فقــراء ) من خلال تكاليف العلاج والوفيات وغيرها،
وكان من المفروض أن يتحملها المتسببـون في تلويثها ( عادة ما يكونون
أغنياء ) لكن هذا لا يعنـــي أن الفقراء لا يلوثـــون البيئــة فقد دلت
الدراسات أن الأحياء الفقيرة هي دائما مصدرا للتلوث، ومن ثم فالعلاقـــة
بين التنميـة والبيئة
علاقة عكسية ، حيث كلما ازدادت معدلات التنمية، ازدادت المشاكل البيئية
لكن تبدأ هذه العلاقة عند الحد الذي لا تستطيع البيئة امتصاص التلوث فيه ،
وكلما ازدادت المشاكل البيئية انخفضت معدلات التنمية ( أو ازدادت تكاليف
التنمية ).
ونكون
بذلك أمام جدل احتدم بين فئتين ( المحافظين والاقتصاديين )، فالمحافظون
يرون وجود جهاز مركزي ( الدولة مثلا ) يمتلك الموارد ويستخدمها بطريقة
انتقائية حمايـــة للبيئة مـن التلوث إذ أن السوق تخفق في تخصيص الموارد
وتوزيعها بعدالة وكفاءة، بسبب المؤثرات الخارجية واهتمام القطاع الخاص
بالربح فقط، لذلك فالبيئة في غياب الدولة ستتلوث حتما.
أما
الاقتصاديون فيرون أن السوق قد تحدث فيه بعض التشوهات بفعل المؤثرات
الخارجية لكن يمكن تصحيحها بالسياسات النقدية والمالية، أو قد تحدث لكن
قصيرة الأجل تزول بمرور الزمـن و عليه فإنه لا يمكن منع تلوث البيئة بصورة
نهائية (100 %) مع تزايد التنمية، باعتبار أنه كلما ازداد الإنفاق على
الحماية البيئية، فإنه سوف نصل إلى مرحلة تفوق تلك النفقات منافعها أي أن
التكاليف الحدية للمزيد من السلامة البيئية بعد حد معين ستكون أعلى من
العائدات الحدية ومن ثم فالوصول إلى حد التلوث الأمثل، هو الأفضل، وهذا ما
يتلاءم مع وجهة النظرة الإسلامية التي تدعو إلى استخدام الموارد ولكن بدون
إســراف أو تقصيــر، وذلك كلـــه للمحافظة على التنمية المستدامة.
1- معيار
الوسط البيئي : ويتمثل في أخذ عينة من الوسط المعرض للملوثات (كالهواء
والمياه ) لتحليلها وقياس درجة تلوثها ثم مقارنتها بالدرجة المسموح بها
علميا.
2- مقياس
انبعاث الملوثـات : وهو تحديد كمية الملوثات المنبعثة من المصانع
والسيارات خلال فترة زمنية معينة ومقارنتها كذلك بالكمية المسموح بها.
3- معيار
توفر شروط التشغيل : ويعني قياس مدى توفر بعض الوسائل لمعالجة ما ينشأ من
تلوث مثل وجوب وضع بعض الأجهزة في بعض المصانع للحد من انبعاث التلوث.
4- مقياس
السلع المنتجة: ويعني قياس الملوثات التي تحتويها بعض السلع على أساس
الخصائص الكيميائية و الفيزيائية المكونة لها ( مثل الأصباغ والمواد
المحفظة )، وتحديد الحد الأقصى المسموح به صحيا.(1)
.
المبحث الثاني: الآثار الاجتماعية للتلوث البيئي
ان تفاقم
التلوث البيئي بجميع أشكاله ( الهواء، الماء، التربة، الضوضاء) ساهم في
زيادة حدة الامراض مما أثر سلبا على الحالة الصحية لافراد المجتمع.
- الامراض المرتبطة بتلوث الماء: تشكل
الامراض التي تنتقل عدواها عبر المياه مشكلة عويصة من مشاكل الصحة
العمومية، و من أهم هذه الامراض نجد: التيفويد، الكوليرا، التهاب الكبد و
الدفتيريا. و تنحصر اسباب هذه الامراض في تدهور شروط النظافة بالنسبة لمياه الشرب و عدم توفر شبكات الصرف الصحي.
- الامراض المرتبطة بتلوث الهواء:
يؤدي تلوث الهواء الى
الاصابة بالامراض الخاصة بالتنفس و الصدر، و من أهم هذه الامراض نجد:
الربو، الحساسية، التهاب القصبة الهوائية.
- الامراض النفسية:
يؤدي تلوث البيئة الى شعور
الفرد بعدم الراحة و الاصابة بامراض نفسية حادة نتيجة التوتر العصبي، الارق
في النوم، الشعور بالضيق و فقدان التركيز و الاستيعاب.
ومن الجوانب الاجتماعية الاخرى للتلوث
ايضا هي اصابة العمال بامراض مختلفة وما يترتب على ذلك من زيادة تكاليف
الانتاج ، كذلك انعكاسات تلوث الهواء على راحة الافراد وعدم توفر وسائل
الامن الصناعي على حالات العمال النفسية وعلاقاتهم ومعاملاتهم الشخصية مع
بعضهم البعض ، وما يتسبب ذلك من تأثير على الطاقة الانتاجية والى زيادة
لحوادث العمل ، كذلك فقدان كثير من المهارات والخبرات والكفاءات الانتاجية
بسبب العجز الكلي والجزئي الناتج عن الاصابات والامراض .
و بالاضافة الى ما سبق يمكن اضافة مظهر سلبي اخر يتمثل في الضجيج
الذي هو صورة من صور التلوث البيئي انه يؤدي الى تقلص في العروق والشرايين
والى ظهور مشادات اجتماعية يترتب عليها حصول تصادم بين فئات المجتمع.
ــ انتشار النفايات المنزلية :
تسبـب النمو الديمغرافي،و
تطور العمران الحضري في انتشار النفايـــات و تكاثرهــا و هي النفايات التي
لم يتم التحكم في تسييرها حاليا مع كل العواقب الممكنة التي قد تترب عليها
بالنسبة على المنظومات البيئية و الصحة العمومية.
- اثر التلوث البيئي على قطاع الخدمات السياحية
المشكلات
البيئية تترتب عنها عدة آثار في مجال السياحة منها آثار تاريخية وتنمية
مناطق الخضراء ونظافة وجمال البيئة.لقد ظلت السياحة في الجزائر تعتمد على
سياحة الآثار، كنمط وحيد للسياحة لذا تطلب العديد من النفقات والتكاليف
اللازمة لمعالجة ما أصيب من جراء التلوث.
لقد أوضحت
الدراسات الإستراتيجية للتنمية السياحية التي قامت بها الهيئة العامة
للتنمية السياحية بأن السياحة البيئية هي أفضل البدائل لتحقيق التنمية
السياحية كونها مصـدراً هامــا للدخل القومي (1).
و من أجل النهوض بالسياحة البيئية لا بد من توفير المناخ السياحي الملائم ويتمثل فيما يلي:
- الاستثمار
اللازم لمعالجة كافة صور التلوث لحماية السائح من أخطار تلوث الهواء،
وتلوث الأغذية والمياه وتحقيق النظافة وتوفير الصحة له.
- الاستثمار
الملائم لوضع خطة قومية لاستعمالات الأراضي يراعى فيها البعد البيئي
وتحقيق التنمية المتواصلة، والمحافظة على الموارد الطبيعية والحضرية التي
تعتبر عنصـر الجــذب السياحي.
- إخضاع عمليات التنمية السياحية إلى مراحل التخطيط و التنفيذ و المتابعة والمراقبة البيئية.
المبحث الثالث : الاثار الاقتصادية للتلوث البليئي
تتمثل
التكاليف البيئية في كافة عناصر التكاليف الخاصة بتخفيض الفاقد في الموارد
الاقتصادية المتاحة فضلا عن تكلفة معالجة المخلفات بكافة أنواعها بالاضافة
الى تكلفة ايجاد منتوجات صديقة للبيئة (1) و
تتحدد التكاليف البيئية على المستوى الكلي في التضحيات الاقتصادية التي
تتحملها الدولة نتيجة الاضرار البيئية المترتبة عن ممارسة أفراد المجتمع و
مختلف القطاعات للانشطة و التي يترتب عليها اثار ضارة بالبيئة، أما على
المستوى الجزئي فتتحدد التكاليف البيئية في التضحيات الاقتصادية التي
تتحملها المؤسسة نتيجة قيامها بتنفيذ برامج حماية البيئة سواء بطريقة
الزامية او اختيارية.
و يؤدي التلوث البيئي الى عدة أضرار تعرقل عملية التنمية الاقصادية و ذلك من خلال:
- انخفاض انتاجية الانظمة الطبيعية المستغلة اقتصاديا كالزراعة و صيد الاسماك.
- ارتفاع تكاليف استعمال البيئة الطبيعية مثل ارتفاع تكاليف معالجة مياه الشرب.
- ارتفاع تكاليف الانفاق في مجال تخفيض و معالجة الاضرار الناتجة عن التلوث قصد حماية البيئة.
- التكلفة المباشرة و غير المباشرة الناتجة عن ضياع المواد الاولية و موارد الطاقة.
تواجه الجزائر اليوم
مشاكل خطيرة في مجال التلوث الصناعي، فالحظيرة الصناعية الوطنية صارت
قديمة غير فعالة بشكل متواتر، و ملوثة ، و يجب الإشارة فضلا عن ذلك إلى أن
عملية التصنيع قد تمت في ظروف و بشروط لم تحترم فيها الاهتمامات البيئية ،
فالانبعثات الملوثة ناجمة عن لفظ مياه صناعية غير معالجة ، و الانبعاثات
الجوية و إنتاج النفايات الخطرة التي ما يزال تسييرها لم يعثر لها على حل ملائم، و هي تهدد نوعيــة المنظومات البيئية المختلفة بشكل خطير.
- أما فيما يخص آثار التلوث على الموارد الحيوانية :
- بالنسبة
للحيوانات، فلن تنجو هي الأخرى من الأذى و إن كانت الكبيرة منها، التي
تمتاز بوجـود الشعر أو الصوف أو الريش أقـل ضررا بالإصابة بسرطان الجلد من
الحيوانـات الصغيـرة و لكنها في حالة تأثرها بكمية إشعاع مرتفعة تصاب
بأمراض العيون و الجلد عدا التغيرات الجينية التي تحدث طفـرات عديدة، لما
وجد قدر كبير من الأشعة فوق البنفسجية يؤثر على الثروة السمكية
- لقد
أدى التلوث بالمبيدات والأسمدة الكميائية والمخلفات الصناعية والصرف الصحي
إلى آثار بعيدة المدى على حياة البرية. من أهم هذه الآثار التغييرات
الجوهرية التي حدثت في بنية المجتمعات الحيوانية والتدهور الذي أصاب تب