منتديات اقرأ معنـا
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


قال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم :{إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاثة: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعوا له}
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخولتسجيل دخول الاعضاء
بسم الله الرحمن الرحيم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته , المنتدى تابع لشركة احلى منتدى والخدمة والصيانة مدى الحياة , وأعضاؤنا قدموا 33879 مساهمة في هذا المنتدى وهذا المنتدى يتوفر على 8838 عُضو , للإستفسار يرجى التواصل معي عن طريق إرسال رسالة شخصية .. ولكم فائق تحياتي وتقديري , المدير العام : علي أسامة (لشهب أسامة)
Cool Yellow
Outer Glow Pointer

 

  بلاغة الوصف فى الحديث النبوى

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
علي أسامة (لشهب أسامة)
المدير العام
المدير العام
علي أسامة (لشهب أسامة)


الأوسمة وسام العضو المميز
 بلاغة الوصف فى الحديث النبوى 41627710
الجنـسية : gzaery
البلد : الجزائر
الجنـــس : ذكر
المتصفح : fmfire
الهواية : sports
عدد المساهمات : 26932
التقييم : 0
تاريخ التسجيل : 24/10/2008
العمر : 31
الموقع : https://readwithus.yoo7.com/
المزاج : nice
توقيع المنتدى + دعاء : توقيع المنتدى + دعاء

 بلاغة الوصف فى الحديث النبوى Empty
مُساهمةموضوع: بلاغة الوصف فى الحديث النبوى    بلاغة الوصف فى الحديث النبوى I_icon_minitimeالجمعة 30 سبتمبر - 12:21

[center] بلاغة الوصف فى الحديث النبوى 37184584rd6lq5

 بلاغة الوصف فى الحديث النبوى Icon.:. السـ.:. ـلام بلاغة الوصف فى الحديث النبوى Rose عليكـ.:. ـم .:.

إنَّ الحمد لله نحمدهُ ونستعينهُ ونستغفرهُ ونعـــــــــــــوذُ باللهِ من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا

من يهدهِ اللهُ فلا مضلَّ له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له

وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما

فإنَّه لا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً ...

أهلا وسهلا بكل أعضاء و زوار المنتدى الحديث والسيرة النبوية

تحية عطرة عطرها مسك المحبة والاخاء...
يسرني أن أضع بين أيديكم هذه المادة الطيبة والتي هي بعنوان

بلاغة الوصف فى الحديث النبوى د محمد الحمزاوى



<blockquote class="postcontent restore ">بلاغة الوصف فى الحديث النبوى من خلال الصحيحين
دراسة بلاغية تحليلية







تأليف الدكتور / محمد أبوالعلا أبو العلا الحمزاوى





مقدمة وتمهيد
الحمد
لله , والصلاة والسلام على صاحب الحوض المورود , واللواء المعقود , من
أوتى جوامع الكلم , وروائع الحكم , محمد بن عبد الله , إمام البلغاء , وسيد
الفصحاء .
وبـــعد
فإن أحاديث نبينا صلى الله عليه وسلم قد حوت صنوف
البلاغة , وألوان الجمال والفصاحة , وعبرت أدق تعبير عن سمو النفس التى
خرجت منها , وبينت المنبع العذب الذى نهلت منه , وكما يقول الجاحظ عن
بلاغته صلى الله عليه وسلم " : ... فلم ينطق إلا عن ميراث حكمة , ولم يتكلم
إلا بكلام قد حف بالعصمة , وشيد بالتأييد , ويسر بالتوفيق , وهو الكلام
الذى ألقى الله عليه المحبة , وغشاه بالقبول , وجمع له بين المهابة
والحلاوة , وبين حسن الإفهام , وقلة عدد الكلام ... , ثم لم يسمع الناس
بكلام قط هو أعم منه نفعاً , ولا أقصد لفظاً , ولا أعدل وزناً , ولا أجمل
مذهباً , ولا أكرم مطلباً , ولا أحسن موقعاً , ولا أسهل مخرجاً , ولا أفصح
معنى , ولا أبين فحوى من كلامه صلى الله عليه وسلم " ( ) وهذا الجمال الفنى
فى بلاغته صلى الله عليه وسلم إنما يرجع إلى سموه الروحى , واتصاله بالملأ
الأعلى , حيث أراد الله عز وجل أن يكون النبى بدعوته نقطة تحول فى حياة
البشرية وتاريخها . ولقد بدأ فى أمة تنقاد للبيان , وتخضع لسلطان الفصاحة ,
فلا عجب أن كان أبلغهم وأفصحهم " فكلامه كلما زدته فكراً زادك معنى ,
وتفسيره قريب كالروح فى جسمها البشرى , ولكنه بعيد كالروح فى سرها الإلهى
... , فهو لسان وراءه قلب وراءه نور وراءه الله جل جـلاله " ( ) ولأجل ذلك
بنيت البلاغة النبوية على أصول ودعائم ( ) ومع مكانة هذا البيان النبوى ,
وما له من شرف ومنزلة فى دنيا الناس , لم نحظ بدراسات بلاغية كثيرة له فى
تراث الإسلام الحفيل تتناسب مع مكانته ومنزلته , ونجد فى كتب الأدب
والبلاغة إشارات موجزة إلى منزلة البيان النبوى , أو ذكر لبعض الخطب
والأحاديث التى تشتمل على أسرار بلاغية وهى أحاديث معروفة ومشهورة ينقلها
اللاحق عن السابق ( ) كما فى البيان والتبيين للجاحظ , والمثل السائر لابن
الأثير , وغيرهما من كتب البلاغة والأدب . وكأن بلاغته صلى الله عليه تنحصر
فى هذه الأحاديث دون غيرها . ولقد قام بعض الباحثين العصريين بمحاولات
طيبة وجهود مخلصة لدراسة البيان النبوى ( ) , وهى بحاجة إلى إضافة باستمرار
لنكشف للناس عن أسرار هذا البيان المبدع , ولسد العجز فى مكتبتنا العربية
فى هذا الجانب المهم . ولقد لاح لى فيما يتصل بناحية التصوير فى البيان
النبوى جانب " الوصف " , ولقد كتبت هذه الصفحات إسهاماً بجهدى المتواضع
لخدمة البيان النبوى . ولكن هناك عدة أمور تتصل بمنهج البحث وخطته ولابد من
بيانها قبل الشروع فيه.أولاً : هذا البحث يقوم على دراسة الوصف فى البيان
النبوى من خلال الصحيحين( البخارى ومسلم ) ( ) , ولقد تتبعت الأحاديث التى
اشتملت على ألوان من الوصف فيهما دون غيرهما لشهرتهما , وكثرة أحاديث الوصف
فيهما , مع صحتهما , وللإيجاز فى البحث من ناحية أخرى , ولا أدعى أننى
ألممت بكل أحاديث الوصف فيهما محللاً ومبيناً , بل أتناول بعضها بالتحليل
البلاغى مع الإشارة إلى المواضع الأخرى لمن أراد التوسع , ومما تجدر
الأشارة إليه أن هذا الإيجاز فى البحث لاينفى صحة أحاديث الوصف الأخرى فى
كتب السنن وغيرها من دواوين السنة , ولكن المقام هنا مقام الإشارة لا الحصر
, كما أن ما فى الصحيحين مجمع على صحته ومقدم على غيره كما ذكر المحققون
من العلماء ( ) ثانياً : منهج التحليل للأحاديث المشتملة على الوصف يقوم
على الجمع بين اتجاهين : الاتجاه العلمى , والاتجاه الأدبى , مع ظهور
الاتجاه الأدبى نظراً لأهميته ودوره فى إبراز أسرار البيان النبوى , ولكن
العناية بالمظهر الفنى لا تعنى إغفال الجانب العلمى لأن إغفاله معناه
الانزلاق إلى ميدان الأهواء والأذواق الساذجة , وهذا يسلمنا إلى فوضى لا
مثيل لها ( ) , وإنما من غايات الاتجاه الأدبى نقل الإحساس بجمال النص إلى
المتلقى أو القارئ بعيداً عن الناحية الاصطلاحية التى لا يعرفها إلا
المتخصصون , والبواعث الحقيقية لهذا الاتجاه إنما ترجع إلى القرآن الكريم ,
وأحاديث النبى لما حوياه من صنوف الجمال , ومخاطبتهما للعقل والوجدان .
ثالثاً:
التطبيق على الأحاديث المشتملة على الوصف يسير على ترتيب الكتب والأبواب
فى الصحيحين ( البخارى ومسلم ) مع تقديم منهج البخارى فى التبويب لما ضمنه
فى أبوابه من التراجم التى حيرت الأفكار بما فيها من الدقة والفقه , وحسن
الترتيب ( ) , أما إذا كان الحديث موضوع البحث فى صحيح مسلم فقط , فاعتمد
على ترتيبه . وهذا المنهج يسهل على القارئ الرجوع إلى الحديث فى كتابه أو
بابه .وبعد هذه المقدمة وهذا التمهيد أنتقل إلى فصول البحث ومباحثه , حيث
يتضمن هذا البحث ثلاثة فصول , وخاتمة , وفهارس .
الفصل الأول : الوصف ومعناه ويتضمن أربعة مباحث :
المبحث الأول : الوصف عند اللغويين والبلاغيين والنحويين .
المبحث الثانى : العلاقة بين الوصف والتصوير .
المبحث الثالث : العلاقة بين الوصف والخيال .
المبحث الرابع : تنوع الوصف فى البيان النبوى .
الفصل الثانى : الوصف فى الحديث النبوى من خلال الصحيحين , وهو الجزء التطبيقى من البحث .
الفصل
الثالث : خصائص الوصف فى البيان النبوى , مع بيان مواضع أحاديث الوصف
الأخرى فى الصحيحين لمن أراد التوسع . وبعد ذلك تأتى الخاتمة متضمنة أهم
النتائج بإيجاز , يليها فهرس المصادر والمراجع , ثم فهرس الموضوعات .
والله أسأل أن يتقبل منا صالح العمل , وأن يجمع بيننا وبين حبيبه وخليله صلى الله عليه وسلم فى جنات النعيم . إنه سميع قريب مجيب .


الفصل الأول : الوصف ومعناه
المبحث الأول: الوصف عند اللغويين والنحويين والبلاغيين:
الوصف
عند اللغويين: "الوصف من وصف الشئ له وعليه وصفاً وصفة: حَلاَّه, والهاء
عوض من الواو, وقيل: الوصف المصدر والصَّفة: الحِلْية, وقال الليث: الوصف
وصفك الشئ بحليته ونعته.. وقوله عز وجل: ?... وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ
المُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ? (1) أراد ما تصفونه من الكذب (2) .
والوصف: ما ينعت به الشئ من صفات ونعوت, وقوله تعالى: ?... وَتَصِفُ
أَلْسِنَتُهُمُ الكَذِبَ ...? (3) أى تقول الكذب وتحققه (4) ويقال: هو
مأخوذ من قولهم: وصف الثوب الجسم إذا أظهر حاله وبين هيئته (5) والوصف
والصفة مترادفان عند أهل اللغة, والمراد بالوصف ليس صفة عرضية قائمة بجوهر
كالشباب والشيخوخة ونحوهما, بل يتناول جوهراً قائماً بجوهر آخر يزيد قيامه
به حسناً له وكمالاً, ويورث انتقاصه عنه قبحاً له ونقصانا ً(6) وفى
التعريفات: الوصف: عبارة عما دل على الذات باعتبار معنى وهو المقصود من
جوهر حروفه, أى يدل على الذات بصفة كأحمر فإنه بجوهر حروفه يدل على معنى
مقصود وهو الحمرة. والوصف والصفة مصدران كالوعد والعدة " (7) ومن خلال كلام
اللغويين حـول الوصـف يتضـح لنا أن الوصف: توضيح الشئ وإظهاره, وبيان حاله
وهيئته. أماعنالوصف عند البلاغيين والنقاد: فلقدعرف قدامة بن جعفر الوصف
بقوله: "هو ذكر الشئ كما فيه من الأحوال والهيئات. ولما كان أكثر وصف
الشعراء إنما يقع على الأشياء المركبة من ضروب المعانى كان أحسنهم من أتى
فى شعره بأكثر المعانى التى الموصوف مركب منها ثم أظهرها فيه وأولاها, حتى
يحكيه بشعره, ويمثله للحس بنعته"( ). ويقول ابن القيم: "والوصف أصله الكشف
والإظهار من قولهم: وصف الثوب الجسم إذا لم يستره ونم عليه. وأحسنه ما يكاد
يمثل الموصوف عياناً ولأجل ذلك قال بعضهم: "أحسن الوصف ما قلب السمع
بصراً, ومنه فى القرآن العظيم كثير مثل قوله تعالى فى وصف البقرة التى أمر
بنو إسرائيل بذبحها لما سألوا أن توصف لهم بقولهم: ?قَالُوا ادْعُ لَنَا
رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ
لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ ...? ( ) وقوله لما
سألوا أن يصف لهم لونها: ?... قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ
صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ? ( ) وقوله لما سألوه
بيان فعلها: ( قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ
تُثِيرُ الأَرْضَ وَلاَ تَسْقِي الحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لاَّ شِيَةَ فِيهَا
...? ( ) فجمع فى هذه الآية جميع الأحوال التى يضبط بها وصف الحيوان, فإن
الحيوان عند البيع والإجارة, وسائر وجوه التمليكات يحتاج فيه إلى معرفة سنه
ولونه وعمله, ثم يفتقر فيه إلى معرفة عيوبه فنفى الله سبحانه وتعالى عن
تلك البقرة كل عيب بقوله ?لاَّ شِيَةَ فِيهَا? فجمع فى هذه الآية جميع وجوه
الوصف, فإنه فى الأول وصف سنها, وفى الثانى وصف لونها, وفى الثالث وصف
خلقها وعملها... ومن هذا الباب فى القرآن كثير لا يحصى, وكذلك السنة
النبوية, وكذلك الشعر..."( )
ويكاد النقاد يجمعون على أن أجود الوصف هو
الذى يستطيع أن يحكى الموصوف حتى يكاد يمثله عياناً للسامع, وذلك بأن يأتى
الشاعر بأكثر معانى ما يصفه وبأظهرها فيه وأولاها بأن يمثله للحس. ولذا قال
بعض النقاد: أبلغ الوصف ما قلب السمع بصراً" ( ). ومن خلال كلام البلاغيين
والنقاد يلاحظ عدة أمور: أولاً: الوصف ذكر الشئ بأحواله وهيئاته. ثانياً:
أجود الوصف ما اشتمل على أكثر المعانى التى يتركب منها الموصوف .ثالثاً:
أحسن الوصف هو الذى يستطيع أن يحكى الموصوف حتى يكاد يمثله عياناً للسمع
فيقلب السمع بصراً. وكلام النقاد وإن كان حول الوصف كغرض من أغراض الشعر
إلا أنه تحديد دقيق لهذا الفن من فنون الكلام؛ ولهذا أخذ به ابن القيم
وطبقه على بعض آيات القرآن موضحاً أنه كثير فى القرآن, والسنة, وكلام
العرب, وما يعنينا هنا هو فن "الوصف فى الحديث الشريف". وسيتضح لنا إن شاء
الله تعالى أن فن الوصف فى الحديث الشريف ينطبق عليه ما ذكره البلاغيون
والنقاد حول تعريفه, كما سيتضح لنا أثره فى بلاغة البيان النبوى.ومما يتصل
بالبحث بيان العلاقة بين الوصف والتصوير.
المبحث الثانى: العلاقة بين
الوصف والتصوير: "الوصف وسيلة من وسائل التصوير المتعددة, فلقد اعتمد العرب
على وسائل كثيرة فى التصوير منها ما كان واضحاً عندهم تمام الوضوح
كالتشبيه والاستعارة والكناية, وبعضها لم يكن واضحاً فى نتاجهم الأدبى
كالوصف, والقصة, والتجسيم, والتشخيص, والموازنة, والإشارة, والرسم" (2).
وهذه الوسائل نراها بوضوح وجلاء فى البيان النبوى, فالنبى صلى الله عليه
وسلم أوتى جوامع الكلم, وأدبه ربه فأحسن تأديبه؛ ولهذا لم يغفل البيان
النبوى فى تصويره الدقيق هذه الوسائل (3) " والمتتبع للآثار النبوية يجد
صورها الفنية من أحسن المثل لما تنجذب إليه النفوس من القول لما فطر عليه
صلى الله عليه وسلم من معرفة عناصر التأثير فى البيان وأوجه الجمال فى
اللسان, فجاء حديثه النبوى من البلاغة العالمية فى موضع تتطلع نحوه
الأبصار, وتتقاصر دونه الأعناق (1)
أما عن العلاقة بين الوصف والتشبيه:
" فالوصف قريب من التشبيه إلا أن الفرق بينهما أن التشبيه مجاز, والوصف
راجع إلى حقيقته وذاته" (2). أما عن الخيال ودوره فى التصوير, فالحديث عنه
وعن علاقته بالوصف من الأهمية بمكان ونحن فى سياق الحديث عن الوصف فى
البيان النبوى.
المبحث الثالث: العلاقة بين الوصف والخيال:
" الكلام
فى وصف الطبيعة والجمال والحب على طريقة الأساليب البيانية إنما هو باب من
الأحلام إذ لابد فيه من عينى أو نظرة عاشق, وهنا نبى يوحى إليه فلا موضع
للخيال فى أمره إلا ما كان تمثيلاً يراد به تقوية الشعور الإنسانى بحقيقة
ما فى بعض ما يعرض من باب الإرشاد والموعظة... فعمله أن يهدى الإنسانية لا
أن يزين لها, وأن يدلها على ما يجب فى العمل لا ما يحسن فى صناعة الكلام,
وأن يهديها إلى ما تفعله لتسمو به لا إلى ما تتخيله لتلهو به. والخيال هو
الشئ الحقيقى عند النفس فى ساعة الانفعال والتأثر به فقط, ومعنى هذا أنه لا
يكون أبداً حقيقة ثابتة فلا يكون كذباً على الحقيقة, ثم هو صلى الله عليه
وسلم ليس كغيره من بلغاء الناس بتصل بالطبيعة ليستملى منها, بل هو نبى مرسل
متصل بمصدرها الأزلى ليملى فيها..." (3).
" فوجود الخيال فى الحديث
النبوى أمر غير متوقع إلا عندما يكون مصدراً للتشبيه والتمثيل والتصوير..."
(4) فالوصف النبوى الذى يعتمد التصوير الذى يعتمد بدوره الخيال يأتى فى
أعلى درجات الصدق, وعلى ذروة سنام البلاغة لأنه متصل بهذه النفس الصافية
التى تربعت على قمة السمو الروحى , وهذا يدفعنا للحديث عن الخيال كطريق من
طرق التعبير عن المعانى الصادقة , والتصورات المعقولة طالما نتحدث عن
الخيال وصلته بفن الوصف فى البيان النبوى.
" إن إطلاق لفظ التخيل أو
الخيال فى صدد الحديث عن المعانى الصادقة,والتصورات المعقولة لايحط من
قيمتها أويمس حرمته ابنقيصه, فإن علماءالبلاغة أنفسهم قد أطلقوه على مايأتى
به البليغ فى الاستعارة المكنية ( ) من الأمور الخاصة بالمشبه به ويثبته
للمشبه فقالوا : الأظفار أو إضافتها فى قولك : أنشـبت المنية أظفارها" ( )
تخييل أو استعارة تخيليية, وأطلقوه فى الفصل والوصل حين تكلموا على الجامع
بين الجملتين وقسموه إلى: عقلى, ووهمى, وخيالى , وأطلقوه فى فن البديع على
تصوير ما سيظهر فى العيان بصورة المشاهد, ولم يبالوا أن يضربوا لجميع تلك
المباحث أمثلة من آيات الكتاب العزيز , وغيره من الأقوال الصادقة.
"
ولقد كان من أساليب القرآن فى الدعوة أن ضرب الأمثال الرائعة, وصاغ
التشابيه الرائقة, والاستعارات الفائقة, والكنايات اللطيفة, ويضاف إلى ذلك
ما كان ينطق به الرسول صلى الله عليه وسلم من الأقوال الطافحة بضرب الأمثال
والاستعارات والكنايات التى لم تخطر على قلب عربى قبله فكان مطلع الإسلام
مما زاد البلغاء خبرة فى تصريف المعانى وترقى بهم فى صناعة التخييل "( ) "
والوصف الدقيق النابع من البصيرة النافذة, وحسن الإدراك, والتدفق العاطفى
أبلغ من التشبيه أو الاستعارة أو الكناية أو الوسائل المألوفة فى التصوير,
إنه ينقل لك أمام عينيك المشهد حتى تكاد تحس به بحواسك وتلمسه بيديك"( ).
وسيتضح لنا من خلال التطبيق أن الوصف النبوى من أبرز المقومات الحيوية
المباشرة فى إقامة الصورة "(3)
3)
المبحث الرابع: تنوع الوصف فى البيان النبوى
استخدم
النبى صلى الله عليه وسلم " الوصف" لأجل تعليم الناس وإرشادهم إلى ما
يقربهم إلى ربهم ولبيان حقائق الدين, كما استخدمه فى تحذيرهم وتخويفهم مما
يبعدهم عن جنابه ورحمته. والنبى صلى الله عليه وسلم داع إلى الله ومبشر,
ونذير, ومبلغ عنه كما نطقت بذلك آيات القرآن, وأحاديثه صلى الله عليه وسلم.
ومن هنا فلقد جاء فى البيان النبوى "الوصف" الذى يقلب السمع بصراً,
والمعقول محسوساً, والمتخيل مشاهداً, ويحيط بالموصوف من جهاته المختلفة حتى
يحكيه ويمثله للعيان. وهذه الناحية الفنية والبلاغية لا تتخلف فى أى موضوع
من الموضوعات فى البيان النبوى, كما لا يلحقها الخلل أو الاضطراب فى أى
ناحية من النواحى. فنجد فى البيان النبوى وصف الإيمان فى الأمور العقدية
والقلبية, ووصف الصلاة والزكاة والذكر فى الأمور الحسية, ووصف الفتن والجنة
والنار فى الأمور الغيبية إلى غير ذلك من ألوان الوصف التىسأشير إلى
بعضها. وهذه اللوحات الوصفية مع تنوعها واختلاف موضوعاتها تأتى على درجة
واحدة فى البلاغة لأنها خرجت من مشكاة النبوة (4) وسأتناول بمشيئة الله
تعالى الوصف فى الحديث النبوى على ترتيب الكتب والأبواب فى الصحيحين مع
تقديم تبويب البخارى نظراً لما فى تبويبه من الدقة والفقه وحسن الترتيب كما
شهد بذلك المحققون من العلماء, وسأبين بعون الله ما ينطوى عليه الوصف
النبوى من صور فنية, وأسرار بلاغية.
الفصل الثانى : الوصف فى الحديث النبوى من خلال الصحيحين
وصف النخلة وتمثيلها بالمسلم
قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها, وإنها
مَثَلُ المسلم, فحدثونى ما هى؟ " فوقع الناس فى شجر البوادى, قال عبد الله:
ووقع فى نفسى أنها النخلة فاستحييت قالوا: حدثنا ما هى يا رسول الله؟ قال:
"هى النخلة" ( ).
فى هذا الحديث الشريف يضرب النبى صلى الله عليه وسلم
مثلاً للمسلم, وفى ضرب الأمثال زيادة فى الإفهام, وتصوير للمعانى لترسخ فى
الذهن. وهنا جاء الوصف معتمداً على التشبيه ( ) حيث شبهت النخلة بالمسلم
وجاء الوصف أولاً للنخلة لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن من الشجر شجرة لا
يسقط ورقها"
وهذا الوصف من أبرز أوصاف النخلة التى امتازت به من سائر
الأشجار ألا وهو عدم سقوط ورقها, وليست هذه كل صفات النخلة. ويبدو لى فى
ذلك سر بلاغى, فالنبى صلى الله عليه وسلم بذكره لهذا الوصف من أوصاف النخلة
يريد أن يبين أن النخلة لا ينقطع عطاؤها وخيرها بحال من الأحوال, فورقها
فيها سواء أخرج منها الثمر أم لم يخرج. وفى هذا إشارة إلى أن الخير مستمر
فى المسلم فى كل حال لأن نفسه مجبولة على حب الخير والعطاء, لا يفارقه حب
الخير, ولا يفارق هو فعل الطاعات, فلا ينفصل أحدهما عن الآخر, كما أن
النخلة لا يسقط ورقها بحال من الأحوال, ولهذا عقب النبى صلى الله عليه وسلم
بعد هذا الوصف للنخلة بتمثيلها بالمسلم, وكأنه يلفت الأنظار بداية إلى أن
هذه الخصيصة فى وصف النخلة هى أبرز السمات والصفات التى تشابه فيها المسلم,
فهذا الترتيب بين الوصف أولاً, والتشبيه. ثانياً- فيما يبدو لى- أمر مقصود
فى البيان النبوى.( ) وكما سبق أن النبى صلى الله عليه وسلم ذكر هذه الصفة
وحدها من صفات النخلة مع أن لها صفات أخرى كثيرة " (2) موجودة فى جميع
أجزائها, مستمرة فى جميع أحوالها, فمن حين تطلع إلى أن تيبس تؤكل أنواعاً,
ثم بعد ذلك ينتفع بجميع أجزائها حتى النوى فى علف الدواب, والليف فى
الحبال, ومن خشبها وورقها وأغصانها يستعمل جذوعاً وحطباً وعصياً ومخاصر
وحصراً وأوانى وغير ذلك" (3). فاكتفى النبى صلى الله عليه وسلم بذكر أبرز
الصفات,وترك الباقى ليربط المسلمون بين الصفة المذكورة وبين المسلم ثم
يبحثون بعد ذلك عن باقى وجوه الشبه بين المسلم وبين النخلة, وإذا كانت
الصفات التى سبق ذكرها موجودة فى النخلة فى حال خَضِرها وفى حال خَضْرها(1)
فكذلك المسلم خيره مستمر فى حال حياته وبعد مماته, ففى حياته بالطاعات
وفعل الخيرات وغير ذلك من وجوه البر, وبعد موته بالصدقات الجارية وما كان
سبباً فيه فى حال حياته, وما ورَّثَه من خير, وبدعوة الناس له, وبدخوله
الجنة يوم القيامة, فالمؤمن كله خير ومنافع فى حال حياته وبعد مماته. (2)
ومن صفات النخلة جمال النبات, وحسن هيئة ثمرها, فهى منافع وخير وجمال وكذلك
المؤمن خير كله بكثرة طاعاته, ومكارم أخلاقه, ومواظبته على صلاته وصيامه
وقراءته وذكره وصدقته, وسائر وجوه البر. ومن صفات النخلة "الثبات والارتفاع
عن الأرض, فكذلك الإيمان ثابت فى قلب المؤمن, وعمله عال مرتفع فى السماء
ارتفاع فروع النخلة, وما يكسب من بركة الإيمان وثوابه كما يُنال من ثمرة
النخلة فى أوقات السنة كلها من الرطب والبُسْر(3) والبلح والزهو والتمر
والطلع" (4) كما أن من صفات النخل: الاستقامة والاعتدال, والمسلم مستقيم
على طريق الطاعة معتدل فى أمور دينه ودنياه, وإن كان يوجد فى بعض النخل
إعوجاج فكذلك بعض المسلمين قد يكون فيهم شئ من الإعوجاج فى السلوك, وهذا لا
ينفى عنهم صفة الإسلام, والمؤمن لا يعرى من لباس التقوى كما لا تعرى
النخلة عن الورق, والتقوى خير زاد وخير لباس" وهذا الوصف النبوى الذى اعتمد
التشبيه قد سلك طريق الإيجاز(1) بذكر أبرز الصفات التى تشابه فيها النخلة
المسلم ليلفت الأنظار إلى الصفات الأخرى التى لم تذكر فى الحديث, وليشحذ
المسلمون أفكارهم ويتأملوا وجوه الشبه بين المسلم والنخلة فيزدادوا معرفة
بصفات المسلم من خلال النظر فى صفات النخلة, وهذا الأسلوب من أساليب توضيح
المعقول بالمحسوس(2) وحث للفكر على النظر فيما بين الأشياء من وجوه الاتفاق
ووجوه الاختلاف وهذا الوصف النبوى إنما هو أثر من آثار المثل القرآنى فى
قوله تعالى: ?أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً
طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي
السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ
اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ?( إبراهيم :
25,24) "فأكثرالمفسرين على أن الشجرةالطيبةهى النخلة(3)ولقد قرأ النبى صلى
الله عليه وسلم قوله تعالى: ?ومثل كلمة طيبة كشجرة كطيبة...? طيبة)وقال:
"هى النخلة" (4) ولقد وصف هذه الشجرة بأربعة أوصاف: الأول: قوله "طيبة" أى
كريمة المنبت. الثانى: رسوخ أصلها وذلك يدل على تمكنها, وأن الرياح لا
تقصفها فهى بطيئة الفناء, وما كان كذلك حصل الفرح بوجدانه. والثالث: علو
فرعها وذلك يدل على تمكن الشجرة ورسوخ عروقها, وعلى بعدها من عفونات الأرض,
وعلى صفائها من الشوائب. الرابع: ديمومة وجود ثمرتها وحـضورها فى كل
الأوقات" (5) وهذه الأوصاف تنطبق على المؤمن تمام الانطباق, فالإيمان راسخ
وثابت فى قلب المؤمن لا تزعزعه البلايا والمحن, وهو إيمان مثمر بالعمل
الصالح الذى يدل على صلاح المؤمن المتصل بالملأ الأعلى, وهو إيمان يعلو على
شهوات الدنيا وملاذها, ويحلق فى آفاق من السمو الروحى. وهذه الأوصاف فى
الشجرة الطيبة تنطبق على أوصاف المؤمن التى سبق ذكرها تمام الانطباق,
"فالمقصود بالمثل المؤمن, والنخلة مشبهة به, وهو مشبه بها, وإذا كانت
النخلة شجرة طيبة فالمؤمن المشبه بها أولى أن يكون كذلك" ( ).
فليتأمل
المؤمن فى هذا المثل القرآنى, وهذا المثل النبوى, وليتصور هذه المعانى التى
تحتاج إلى إعمال العقل, وينطبق فيها المعقول على المحسوس تمام
الانطباق(2)?... وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ
يَتَذَكَّرُونَ? ( إبراهيم : 25).
وصف حال أول من يدخلون الجنة والذين
يلونهم ونعيمهم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أول زمرة تدخل الجنة
على صورة القمر ليلة البدر والذين على إثرهم كأشد كوكب إضاءة، قلوبهم على
قلب رجل واحد لا اختلاف بينهم ولا تباغض، لكل امرئ منهم زوجتان: كل واحدة
منهما يُرى مخُ ساقها من وراء لحمها من الحسن. يسبحون الله بكرة وعشياً، لا
يسقمون ولا يمتخطون ولا يبصقون، آنيتهم الذهب والفضة، وأمشاطهم الذهب،
ووقود مجامرهم الألوة – قال أبو اليمان: يعنى العود – ورشحهم المسك" (3)
إننا هنا أمام لوحات وصفية رائعة لمشاهد من عالم الغيب لمنازل المؤمنين وما
أعد الله لهم من النعيم فى الجنة. ولقد جاء هذا الوصف النبوى الدقيق
معتمداً على التشبيه فى بعض أجزائه، ومعتمداً على العبارة الوصفية التى لا
تعتمد على الصورة البيانية المعهودة من التشبية والاستعارة والكناية فى
أجزاء أخرى. وبدأ هذا الوصف النبوى بذكر مراحل النعيم التى يمر بها أول
زمرة تدخل الجنة من بداية دخولهم إلى حين استقرارهم. بدأ هذا الوصف بتشبيه
صورة أول زمرة تدخل الجنة بصورة القمر ليلة البدر وتشبيه الذين يلونهم
بصورة أشد كوكب إضاءة. وهنا سر بلاغى فى الفرق بين التشبيهين: فالتشبيه
الأول جاء بصورة " القمر ليلة البدر" والوجه فيه الهيئة والحسن والضوء.
والتشبيه الثانى بـ " أشد كوكب درى" والوجه فيه الإضاءة فقط (1) وهنا نقف
أمام هذا النور الذى يشع من أجسادهم وصورهم، هذا النور الذى يخطف الأبصار
ويبهر المتأملين، فصورة القمر ليلة البدر وما هو عليه من الضوء معروفة بما
فيها من جمال شكله وحسن هيئته. إنهم حين يدخلون الجنة يكونون فى قمة الجمال
والكمال والبهاء والحسن فلا يصيبهم أى مظهر من مظاهر النقص، فلقد مضت
الدنيا بنقصها وبلائها، وهم اليوم فى دار الكمال لا النقصان. أما الذين
يلونهم فصورتهم معروفة حين ننظر إلى الكوكب الدرى يلمع فى وسط السماء فى
الليل , ولكن التشبيه هنا جاء فى الإضاءة وحدها , وهذا لا يعنى نقصان حالهم
ولكن يعنى اختلافهم فى درجاتهم النعيم مع استوائهم فى أصل الكمال والبعد
عن كل مظاهر النقص. (2) لقد وصفهم فى الزمرة الأولى والذين يلونهم بالإضاءة
عند دخولهم الجنة، وهذا النور والضوء إنما هو نور وضوء الأعمال الصالحة،
فطالما صلوا بالليل والناس نيام (3) وطالما تحملوا بلاء الدنيا وعناءها. إن
طاعتهم لله قد أثمرت ذلك النور الذى يسعى بين أيديهم وبأيمانهم حيث بين
ذلك القرآن بإضافة النور إليهم فى أكثر من موضع فقال تعالى: ?يَوْمَ تَرَى
المُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ
وَبِأَيْمَانِهِم(1) بُشْرَاكُمُ اليَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا
الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ * يَوْمَ
يَقُولُ المُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا
نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ(2) قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا
نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ
الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ العَذَابُ?(3) وقوله تعالى: ?يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً
عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ
جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لاَ يُخْزِي اللَّهُ
النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ
أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا
نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ?(4) ولم يقف
الوصف النبوى الدقيق لهذا المشهد الرائع المهيب عند الصورة الظاهرة وإنما
انتقل إلى الصورة الباطنة، فبين أن " قلوبهم على قلب رجل واحد" (5) فلا
اختلاف بينهم ولا تباغض. إننا هنا أمام صورة مكتملة المعالم فى الظاهر
والباطن، فى الظاهر بالضياء والحسن والبهاء، والباطن بالطهارة والنقاء
والصفاء، وهذا يظهر بلاغة الوصف فى البيان النبوى، ويؤكد ما سبق ذكره من
أنه وصف كاشف جامع لكل معالم الصورة! وبعد الحديث عن كمالهم فى ذاتهم انتقل
إلى الحديث عن النعيم الذى أعد لهم، فذكر الزوجين من الحور العين، وبين
صفاء ورقة بشرتيهما فقال:" لكل امرئ منهم زوجتان(6) كل واحدة منهما يرى مخ
ساقها من وراء لحمها من الحسن" إن هاهنا صفاءاً وبياضاً فى عظامهن ولحمهن
ظاهراً وباطناً ليناسب حال هؤلاء المؤمنين فى الصفاء والنقاء، فيزداد النور
والبهاء، والحسن والضياء. فما أروع هذه الصورة النبوية حين نتخيلها أمام
أعيننا وقد امتزج النوران بين هؤلاء الداخلين إلى الجنة والحور العين
اللائى وصفهن القرآن بأنهن: ?كَأَنَّهُنَّ اليَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ?(1)
إن هذا النعيم المقيم والعطاء الجزيل ليلهمهم التسبيح والتكبير كما يلهمون
النفس(2) وليس المقصود بالتسبيح بكرة وعشياً الحقيقة لفناء الدنيا،
وإنماالمقصود هوالديمومة(3) وبعد هذا الوصف الدقيق لصورتهم وما أعد لهم من
الحور العين انتقل البيان النبوى إلى وصف حالهم "فهم لا يسقمون ولا يمتخطون
ولا يبصقون,آنيتهم الذهب والفضة، وأمشاطهم الذهب ".ما أروع هذا الوصف
الدقيق الجامع، فلقد تناول فى هذا الوصف حالهم فى الداخل، وما يحتاجون إليه
فى الخارج من الأوانى والأمشاط. وهنا سر دقيق فهم لا يسقمون ولا يمتخطون
ولايبصقون، وهذا ما يناسب ما هم عليه من الضياء والنقاء والصفاء والحسن
والبهاء , كما أن آنيتهم وأمشاطهم من الذهب والفضة وفيهما من الصفاء
واللمعان والبريق ما هو معلوم... فهنا ضياء ونور وصفاء فى كل شئ، فى ظاهرهم
وباطنهم، فى كل ما يحيط بهم(4) ويبدو لى هنا لوحة وصفية يشع النور من كل
أجزائها فى تناسق والتئام وتلاحم، هاهم المؤمنون والنور يشع منهم، وها هى
الحور العين فى صفائها ونقائها، وها هى الآنية والأمشاط فى لمعانها
وبريقها، هل بقى شئ؟ نعم بقيت المجامر(1) وهى " الألوّة "(2) ولكن جعلت
مجامرهم نفس العود بأن يشتعل بغيرنار(3) بل بقوله: "كن" لقد أحيط هذا
الضياء بهذه الرائحة الطيبة مع رشحهم المسك فلقد جاءت الرائحة الطيبة من
رشحهم ومن حولهم لتكتمل معالم الصورة، وبهذا يكون البيان النبوى قد وصف لنا
حال هؤلاء الداخلين إلى الجنة وصفاً كاشفاً جامعاً. وهو وصف لمشاهد من
عالم الغيب عرضها علينا فى إيجاز وفى تناسق وفى تلاحم عجيب جمع فيه بين
أجزاء الصورة التى شاع النور وانتشر فى جميع أجزائها وهذه الصور الرائعة
هناك روابط وقواسم مشتركة بينها وهى الضياء، والبهاء، والحسن، واللمعان،
والصفاء! لقد جاء نورهم من أعمالهم الصالحة، وجاء حسنهم وبهاؤهم من طهارتهم
الحسية والمعنوية فى الدنيا، فلينظر كل منا ومن خلال هذا الحديث الرائع
إلى ما قدم من نور لنفسه يوم القيامة: )يَوْمَ تَرَى المُؤْمِنِينَ
وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم
بُشْرَاكُمُ اليَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ
خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ) (4) فى تصورى مهما أوتى
المرء من بلاغة وبراعة لا يستطيع أن يصف حال أهل الجنة بأبلغ مما وصفه به
البيان النبوى لأن النبى صلى الله عليه يصف وصف من رأى وسمع مع ما أوتى من
جوامع الكلم، والاتصال بالملأ الأعلى فى كل حين.
وصف الخوارج: عن أبى
سعيد قال: بعث على رضى الله عنه إلى النبى صلى الله عليه وسلم بذهبية
فقسمها بين أربعة الأقرع بن حابس الحنظلى ثم المجاشعى وعيينة بن بدر
الفزارى، وزيد الطائى، ثم أحد بنى نبهان، وعلقمة بن علاثة العامرى، ثم أحد
بنى كلاب. فغضبت قريش والأنصار قالوا: يعطى صناديد أهل نجد ويدعنا. قال:
إنما أتألفهم. فأقبل رجل غائر العينين,مشرف الوجنتين , كث اللحية, محلوق
فقال: اتق الله يا محمد فقال: " من يطع الله إذا عصيت؟ أيأمننى الله على
أهل الأرض فلا تأمنونى؟ " فسأله رجل قتله – أحسبه خالد بن الوليد – فمنعه
فلما ولى قال: "إن من ضئضئ هذا – أو فى عقب هذا – قوم يقرءون القرآن لا
يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية، يقتلون أهل الإسلام
ويدعون أهل الأوثان، لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد " (1) وفى رواية: " إنه
يخرج من ضئضئ(2) هذا قوم يتلون كتاب الله رطباً لا يجاوز حناجرهم , يمرقون
من الدين كما يمرق السهم من الرمية ", وأظنه قال : " لئن أدركتهم لأقتلنهم
قتل ثمود " (3) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يأتى فى آخر الزمان
قوم حدثاء الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من قول خير البرية، يمرقون من
الدين كما يمرق السهم من الرمية، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، فأينما
لقيتموهم فاقتلوهم، فإن قتلهم أجر لمن قتلهم يوم القيامة" (4) فى هذا
الحديث الشريف نحن أمام وصف دقيق يتخطى حدود المكان والزمان ليكشف لنا عن
أوصاف بعض من ينتسبون إلى المسلمين ولكنهم عبء عليهم، وحرب لهم، وأمان وسلم
لعدوهم..، هذه الفئة التى نراها ونعايشها اليوم كما كانت بالأمس وفى
الماضى، وكما ستكون فى المستقبل وضع لنا البيان النبوى أوصافاً لها تكشف عن
حقيقتها وتوضح فكرها ومدى فهمها للدين، وعوار هذا الفهم، والوصف النبوى
هنا ينطبق عليه الخصيصة التى تحدثنا عنها من قبل، وهى أنه وصف يتجاوز حدود
الزمان والمكان ليربط الماضى بالحاضر والمستقبل، وذلك لأنه خرج ممن لا ينطق
عن الهوى ?إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى?(1) ولقد ذكر النبى صلى الله
عليه وسلم أوصافهم فى أكثر من حديث، وسأجمع هذه الأوصاف كما جاءت فى
الصحيحين وأتناولها بالتحليل البلاغى والأدبى . إنهم قوم يقرءون القرآن وفى
رواية يتلون كتاب الله ليناً رطباً لا يجاوز حناجرهم. لا يجاوز إيمانهم
حناجرهم.تحقرون صلاتكم مع صلاتهم(2) وليس قراءتكم إلى قراءتهم بشئ، ولا
صيامكم إلى صيامهم بشئ. يقولون من قول خير البرية. حدثاء أو أحداث أو حداث
الأسنان. سفهاء الأحلام. يقتلون أهل الاسلام، ويدعون أهل الأوثان. هذه
عبادتهم كما جاء فى وصفهم: يقرءون القرآن ليناً رطباً لا يجاوز حناجرهم. ما
أدق هذا الوصف! فهم لا نصيب لهم من القرآن إلا ترديد الألسنة لأن القرآن
لم ينفذ إلى قلوبهم، إنه عند الحناجر(3) لا يتجاوزها، فلم تشرب قلوبهم حبة
وفهمه كما يجب أن يكون، إنه لين(4) رطب بالنسبة لهم، سهل عليهم فى الحفظ
والتلاوة، أما فى الفهم والعمل فهم لا رصيد لهم(1) فهم يرددونه ويلوون
ألسنتهم به تحريفاً لمعانيه، وميلاً لأهوائهم، فصورتهم وهم يقرءون القرآن
صورة خادعة لمن لم يعرف حقيقة فكرهم، فمن رآهم وهم يقرءون القرآن بسهولة
ولين ظنهم من العالمين الفاقهين حيث لان القرآن لهم فى التلاوة. إن صورتهم
الخادعة فى العبادة لا تقف عند قراءة القرآن، بل إن من أوصافهم " أنكم
تحقرون صلاتكم مع صلاتهم وقراءتكم مع قراءتهم، وصيامكم مع صيامهم "، فهم
يقومون الليل، ويصومون النهار، ويكثرون من التلاوة للقرآن، بل ويقولون من
خير قول البرية! ولكن ليس لهم روح العبادة وإنما لهم مظاهرها وظاهرها، فهم
لا يعرفون من الدين إلا القشور وكما جاء فى وصفهم " لا يجاوز إيمانهم
حناجرهم". فكما أن القرآن لم يستقر فى قلوبهم فهماً وعملاً كذلك الإيمان
إيمان باللسان لا بالجنان، إيمان بالأقوال لا بالأفعال، وما أبعد هذا الصنف
من الناس عن حقيقة الدين. فالإيمان لم ينفذ إلى قلوبهم وإنما وقف عند
حلاقيمهم، وما وقف عند الحلاقيم لا يصل إلى القلب! ولذلك فهم " يقولون من
خير قول البرية " (2) كما وصفهم البيان النبوى، فكلامهم فى الظاهر حسن
معسول، ولكن فى الباطن فهمهم للدين مدخول، إن عبادتهم كلها ظواهر لا رصيد
لها من إيمان أو إخلاص، وقراءتهم كلها حركات للألسنة والحناجر لا وزن لها
من فهم أو عمل سديد. ولكن هل يقف وصفهم عند هذا الحد؟ لا، فهم "أحداث(3)
الأسنان" صغار السن لم يسبروا غور العلم، ولم يعيشوا فى رحابه وقتاً كافياً
فهماً وعملاً، ولم يكتسبوا الخبرة الكافية لصغر سنهم وضيق عطنهم وأفن
عقولهم. وعن هذه العقول فحدث ولا حرج، ولن تجد لوصف عقولهم أبلغ من قوله
صلى الله عليه وسلم: "سفاء الأحلام" (1) فعقولهم ضعيفة رديئة صغيرة (2) لا
قدرة لها على الفهم والتحليل والاستنباط ولا عناية لها بمعالى الأمور وإنما
عنايتهم بسفاسف الأمور، يهتمون بالقشور ويتركون الجوهر، يهتمون بالظاهر
ويغفلون عن الباطن، ولا صبر لهم على فهم الدين والفقة لمقاصده، ولا ثبات
عندهم أمام الشبهات، ولا رسوخ لأقدامهم فى الحق، فهم متزعزعون عند الفتن،
متخبطون فى النوازل، يضعون الأدلة فى غير مواضعها، انطلقوا إلى آيات نزلت
فى الكافرين فجعلوها على المؤمنين.ولهذا فهم "يمرقون من الدين كما يمرق
السهم من الرمية " (3) وما أروع هذا الوصف الدقيق لحالهم مع الدين فهم كما
يكفرون الناس على أهون الأسباب، ويأثمونهم على أصغر الأمور، هم كذلك يخرجون
من الدين بنفس السرعة التى دخلوه بها، فلا ثبات لهم على الحق ولا نصيب لهم
من الصبر(4) ويبدو لى فى هذا التصوير النبوى الدقيق أكثر من سر بلاغى:
السر الأول: هو الصلابة والشدة عند هؤلاء فى التعامل مع الناس وفى أمور
الدين، وخاصة فى سفاسف الأمور ويبدو ذلك واضحاً من خلال قوله " كمايمرق
السهم من الرمية " وذلك من صفات السهم الصائب الصلب لأنه لا يكون شديد
السرعة إلا بعد أن يكون قوى النزعة! فالصلابة فى السهم والقوة والسرعة فى
اندفاعه تدفعه إلى الرجوع والخروج من الصيد بعد إصابته. وهذا وصف دقيق
لحالهم، فهم لا رفق عندهم فى التعامل مع الناس، ويغلب عليهم جفاف الروح،
وتقطيب الجبين، وتعقيد الأمور، وتضخيم الصغير، وتصغير الكبير، وهذا واقع
يعرفه من عامل هؤلاء وعرف حقيقة طباعهم. كما أن صلابة السهم موجودة فى
آرائهم، فهم لا يتنازلون عن آرائهم الباطلة وفهمهم المدخول، ولا يزعنون
للحق(1). فصلابة الرأى من سماتهم مع فساد ما هم عليه وهذه حقيقة تاريخية
معروفة عن الخوارج، وحقيقة واقعية معروفة عن أشباههم اليوم! فهم يؤثرون أن
يكونوا رؤوساً فى الباطل على أن يكونوا ذيولاً فى الحق! وهناك سر آخر وهو
السرعة والاندفاع عند هؤلاء، وذلك أيضاً من خلال قوله صلى الله عليه وسلم: "
يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية " (2) والسرعة عندهم فى الحكم
على الناس بالفسق والكفر والاندفاع فى التعامل مع الناس وعدم الصبر على
تحصيل العلم، والسرعة فى اتهام الناس زوراً وبهتاناً لأنهم لا يؤيدونهم
فيما يذهبون إليه(3). إنهم يخرجون من الدين بنفس السرعة التى دخلوا بها
فيه، وتشاهد كثيرا من ذيول هؤلاء فى عصرنا لا يلبث أحدهم فى طريق الالتزام
قليلاً حتى يحيد عن الحق، ويرجع إلى سابق عهده فى الفسق لأنه لم يتعلق من
الدين إلا بالقشور، بقدر ما يدخل السهم فى الصيد ويخرج منه بسرعة! وليس
هناك تصوير دقيق يصور حالهم مع الإيجاز أبلغ من هذا التصوير النبوى، فهذا
الحديث بالإضافة إلى أنه معجزة من معجزات النبى صلى الله عليه وسلم يشتمل
على أسرار بلاغية ووصف دقيق لحقيقة هؤلاء فى كل مكان وزمان. إن أفن عقولهم،
وسوء فهمهم للدين، وصلابتهم فى التمسك بالباطل، واندفاعهم فى رفض الحق
يدفعهم إلى أن "يقتلوا أهل الاسلام، ويدعوا أهل الأوثان" كما وصفهم البيان
النبوى(4) وهذا وصف دقيق لهؤلاء المارقين فى كل زمان ومكان، فهم يفعلون ذلك
بالمسلمين استناداً إلى تأويل فاسد لآيات القرآن، وفهم مدخول لحقيقة
الدين، وهذه حقيقتهم فى عصرنا كما كانت حقيقتهم فى الماضى، وكما ستكون فى
المستقبل (1) إن الوصف النبوى هنا يتميز بخصيصته الظاهرة وهى أنه وصف جامع
كاشف مركز على أبرز صفات هؤلاء الخوارج (2) وهو وصف متخطى لحدود الزمان
والمكان. لقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لئن أدركتهم لأقتلنهم
قتل عاد " وفى رواية " لأقتلنهم قتل ثمود " (3) وفى رواية:" فأينما
لقيتموهم فأقتلوهم،فإن قتلهم أجر لمن قتلهم يوم القيامة "(4) وفى ذلك معجزة
ظاهرة للنبى صلى الله عليه وسلم، فهم مع نهية عن قتل أصلهم (وهو الرجل
الذى قال لرسول الله اتق الله يا محمد) أراد إدراك خروجهم واعتراضهم
المسلمين بالسيف، ولم يكن ظهر ذلك فى زمانه، وأول ما ظهر فى زمان على رضى
الله عنه كما هو مشهور فهؤلاء بسفكهم للدماء، وفهمهم المدخول للدين، وعدم
نفاذهم إلى حقيقة الاسلام يمثلون خطراً عظيماً على المسلمين، لأنهم يزعمون
أنهم من المسلمين بينما يقتلون أهل الاسلام، ويدعون أهل الأوثان(5) فهم رأس
الفتنة، ومنبع البلوى، ومصيبة المسلمين فيهم أكبر من مصيبتهم من أعداء
الإسلام. فما أروع وأدق هذا الوصف النبوى الموجز المعبر أدق تعبير عن حقيقة
هؤلاء الخارجين فى كل زمان ومكان(1)
وصف قلب المؤمن بالكرم: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم : " ويقولون : الكرم، إنما الكرم قلب المؤمن" (2)
وفى رواية مسلم: " ... ولا يقولن أحدكم للعنب الكرم، فإن الكرم الرجل
المسلم " وفى رواية له : " لا يقولن أحدكم الكرم، فإنما الكرم قلب المؤمن"
(3). نحن هنا أمام وصف من نوع آخر، وشاهدنا فى هذا الحديث قوله صلى الله
عليه وسلم: " إنما الكرم قلب المؤمن" وقوله : " فإن الكرم الرجل المسلم "
والوصف النبوى هنا جاء لتصحيح لفظ طالما وضع لغير معناه الحقيقى فى حياة
العرب فى ذلك الوقت، وروعى فى تصحيحه الجانب الذهنى والناحية الفكرية عند
الناس. فلقد كانت العرب تطلق لفظة " الكرم " على شجر العنب، وعلى العنب،
وعلى الخمر المتخذة من العنب (4) فكره الشرع هذا الاسم لأنه يربط بين العنب
والخمر المتخذة منه فى أذهانهم، ولأن فيه خطأ فى الفهم حيث وصفت الخمر
بغير صفتها، وسميت بغير اسمها، وهذا مما يؤدى إلى التباس الأمر على بعض
الناس، ويهيج فى نفوسهم الاتجاه إلى مقاربتها، ولذلك جاءهم بالاسم الحقيقى
الذى لا يلتبس بغيره وهو العنب، والحَبَلة(1) وبلاغة الوصف هنا فى أن جعل "
الكرم " " قلب المؤمن " أو " الرجل المسلم " فلم حول النبى صلى الله عليه
وسلم الوصف هنا إلى الرجل المسلم أو قلبه المؤمن؟ ويبدو لى هنا أكثر من سر:
الأول : لفت انتباه المسلم، وتحويل فكره عن كل ما يذكر بالمعصية أو
يقاربها وتحويل الفكر إلى كل ما يذكر بالطاعة ويحض عليها. ويبدو ذلك واضحاً
من إرادته صلى الله عليه وسلم أن يصرف أذهانهم وأفكارهم عن كل ما يتصل
بالخمر من قريب أو بعيد (2) وتحويل أفكارهم إلى ما يقرب من الطاعة بربطه
هذا الاسم بصفة من صفات المسلم أو قلبه المؤمن، وهى من الصفات التى يحبها
الله.الثانى: ربط المسلم بالقرآن الكريم، فوصف المسلم بـ "الكرم" جاء فى
القرآن حيث يقول تعالى:(...إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُم
(وفى هذا تحويل للمسلم إلى الوجهة السليمة مع إضافة معان جديدة تتصل
بالمسلم، وما يجب أن يكون عليه من تقوى الله عز وجل.وهذا التصويب النبوى
فيه معجزة ظاهرة، فكما كانت العرب قديماً تسمى الخمر بغير اسمها فلقد نبتت
نابتة اليوم تسلك نفس السبيل (3) ومن أسرار جمال هذا الحديث وصف المسلم،
ووصف قلبه المؤمن بـ " الكرم " فالنبى صلى الله عليه وسلم لما بين لهم أن
الخمر أم الخبائث والرجس الذى هو من عمل الشيطان صوب رأى من رأى استحقاق
هذا بقلب المؤمن الطاهر عن أوضار الرجس والآثام، وأنه معدن مكارم الأخلاق،
ومنبعها،ومركز التقوى، وأحرى أن يسمى كرماً، قال تعالى:(... فَإِنَّهَا مِن
تَقْوَى القُلُوبِ) وقال: ?... أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ...
?(1) كأنه صلى اله. عليه وسلم نبه المسلمين على التحلى بالتقوى، والتزيى
به، وأنه رأس مكارم الأخلاق لا ما ذهب إليه الجاهلية فسمى " قلب " المؤمن
كرماً لما فيه من الإيمان، والهدى والنور، والتقوى، والصفات المستحقة لهذا
الاسم، وكذلك الرجل المسلم (2).
وللإمام أبى محمد بن أبى جمرة تحليل
دقيق حول الوصف فى هذا الحديث وملخصه " لما كان اشتقاق الكرم من الكرم،
والأرض الكريمة هى أحسن الأرض فلا يليق أن يعبر بهذه الصفة إلا عن قلب
المؤمن الذى هو خير الأشياء لأن المؤمن خير من الحيوان، وخير ما فيه قلبه
لأنه إذا صلح صلح الجسد كله، وهو أرض لنبات شجرة الإيمان، قال : ويؤخذ منه
أن كل خير – باللفظ أو المعنى أو بهما أو مشتقاً منه أو مسمى به – إنما
يضاف بالحقيقة الشرعية لأن الإيمان وأهله وإن أضيف إلى ماعدا ذلك فهو بطريق
المجاز، وفى تشبيه الكرم بقلب المؤمن معنى لطيف، لأن أوصاف الشيطان تجرى
مع الكرمة كما يجرى الشيطان فى بنى آدم مجرى الدم، فإذا غفل المؤمن عن
شيطانه أوقعه فى المخالفة، كما أن من غفل عن عصير كرمة تخمر فتنجس، ويقوى
التشبيه أيضاً أن الخمر يعود خلاً من ساعته بنفسه أو بالتخليل فيعود
طاهراً. وكذا المؤمن يعود من ساعته بالتوبة النصوح طاهراً من خبث الذنوب
المتقدمة التى كان متنجساً باتصافه بها إما بباعث من غيره من موعظة ونحوها
وهو كالتخليل، أو بباعث من نفسه وهو كالتخلل. فينبغى للعاقل أن يتعرض
لمعالجة قلبه لئلا يهلك وهو على الصفة المذمومة (1).
وكما جاء تصحيح
الاسم والوصف من النبى صلى الله عليه وسلم فى هذا الحديث بتحويل الوصف بـ "
الكرم " إلى الرجل المسلم، أو قلبه المؤمن جاء وصف آخر فى مقام النهى عن
وصف النفس بـ " الخبث " فقال صلى الله عليه وسلم :" لا يقولن أحدكم خبثت
نفسى,ولكن ليقل لقست نفسى " (2).فلفظاً"الخبث واللقس" وإن كان المعنى
المراد يتأدى بكل منهما إلا أن لفظ " الخبث" قبيح، ويجمع أموراً زائدة،
فالخبث يطلق على الباطل فى الاعتقاد، والكذب فى المقال، والقبيح فى الفعال،
وعلى الحرام، والصفات المذمومة القولية والفع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://readwithus.yoo7.com
 
بلاغة الوصف فى الحديث النبوى
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  بلاغة النداء
» افكار تفوق الوصف الجزء الثالث
»  المولد النبوى الشريف

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات اقرأ معنـا :: ˆ~¤®§][©][ منتدى الإسلام و الســـنة ][©][§®¤~ˆ :: السيرة النبوية والحديث-
انتقل الى: